مقالات متنوعة

اماني ايلا تكتب.. اللاءات الثلاث.. (1 من 2)

تحت الماء
أماني أيلا
بعض – (المدنيون) الذين يستنكرون تدخلات الجيش في الحياة السياسية السودانية منذ القِدم وينادون اليوم بإبعاده بالكامل عن الساحة السياسية، ويرفعون الآن في عراكهم السياسي حول السلطة مع الجيش وقيادته شعارهم ذو اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة)، ويحلمون بدولة مدنية لا وجود فيها للجيش إلا على حدود البلاد وداخل وحداته العسكرية، ويحلمون أن يكون الجيش تحت كامل إمرة وقيادة المكون المدني الحاكم يتلقون منه التعليمات ويرفعون إليه التحية والتمام وينفذون ما يؤمرون بكامل الطاعة كـ(عبد المأمور)، هؤلاء يبدو أنهم قد فاتت عليهم قراءة دفاتر حقائق الواقع السوداني المعقد الذي أدركه قدامى السياسيين في السودان فعرفوا وفهموا وتفهموا أهمية وجود القوات النظامية على مشارف ساحة السياسة، حامية لها تماماً كحمايتها لحدود البلاد من المهددات الخارجية، وحافظة للأمن والسلام الوطني القومي من الانتهاكات الداخلية تماماً كحفظها للحدود الخارجية من تغولات العدو الخارجي.
وربما فات على (مدنيي اليوم) كذلك قراءة المرجعيات المعتمدة والموثقة التي يستند عليها الجيش بالتنسيق مع بقية القوات النظامية في مد يديه إلى ساحة السياسة بتنوير المدنيين الحاكمين بالمخاطر المحدقة بالأمن القومي، ثم بالتحذير منها مراراً وتكرارا، ثم بالتوجيه بما يلزم القيام به لحفظ الأمن القومي، ثم إن كاد ينفرط عقد الأمن القومي والسلام المجتمعي الداخلي فللجيش، ليس الحق فقط، بل وجب عليه بموجب المرجعيات الدستورية المعتمدة أن يتدخل بالقوة القاهرة لإلزام الحكام المدنيين للقيام بما يلزم لحفظ الأمن القومي، وإلا وجب عليه استلام زمام الأمر كاملاً إلى حين زوال المهددات وإلزام من يجب للقيام باللازم لحماية الأمن القومي!! ويظل هذا الأمر في مجمله بالتأكيد (حالة استثنائية طارئة) تستلزمها معطيات محددة، ويظل الدور الرئيس والمهمة الأولى للجيش هو البقاء في ثكناته مخططاً ومنفذاً وحامياً للبلاد وحدودها من الأعداء الخارجيين، دون أن تغفل عينه بالتأكيد عن أعداء الأمن القومي الداخليين!
هاج “بعض” السياسيون المدنيون وماجوا، عندما أعلن قائد الجيش في ذات خطاب أمام ضباطه وجنده بأن الجيش (وصيٌ) على البلاد، وقائد الجيش الذي عمل به لسنوات طويلة واجتاز كل دوراته الحتمية وتلقى كل علومه العسكرية وتشرب بثبات الجيش الانفعالي و قة التصويب للقول والفعل معاً لم يطلق ذلك القول على عواهنه كما يفعل البعض، بل أطلقه وهو يعلم أنه يرتكز في ذلك على قوانين مجازة ومعتمدة وسارية حتى هذا التاريخ، درسها وكان يقوم هو نفسه بتدريسها للضباط في الدورات الحتمية في معاهد المشاة، وكما فات على المدنيين دراسة وتفهم الواقع السياسي المعقد بالسودان كما فعل أسلافهم، وفاتهم أيضاً حتى قراءة القوانين التي تحكم عمل الجيش وتحدد (أهدافه ومهامه وواجباته وصلاحياته) التي وردت في صلب كل قوانينه منذ نشأته إلى آخر تعديلاتها في العام 2007م.
قانون قوات الشعب المسلحة المعدل في 2007م والساري حتى تاريخه، وتحديداً في فصله الثاني وفي مادته (6) وبنودها (أ، ب، ج، د) نص على: {القوات المسلحة السودانية قوات عسكرية قومية التكوين والهدف ولاؤها لله والوطن، وتكون لها المهام والاختصاصات الآتية: حماية سيادة البلاد والدفاع عن النظام الدستوري والذود عنه، وتأمين سلامة البلاد والدفاع عنها في مواجهة التهديدات ((الداخلية)) والخارجية، وتأمين احترام سيادة حكم القانون والحكم المدني الديمقراطي وحقوق الإنسان، والتصدي لحالات الطوارئ المحددة قانوناً،} وهو بذلك وبكل وضوح يجعل القوات المسلحة بحكم التخصص والاختصاص مع بقية القوات النظامية من أجهزة المخابرات والأمن الداخلي والشرطة (وصياً حصرياً) على الأمن القومي للبلاد، والقول بأنه مهمته فقط هو جمع المعلومات ورفعها للقيادة المدنية هو جهل خطير بواجبات واختصاصات الجيش وبقية مكونات المنظومة الأمنية خاصة في أوضاع بالغة التعقيد كالتي ظل يعيشها السودان منذ استقلاله في داخله وفي محيطه الإقليمي.
وحتى لا يساء فهم ما سبق وجب أن نثبت أن ما ذكرناه أعلاه لا يعطي بأي حال من الأحوال الجيش والقوات النظامية الأخرى الحق في أن تباشر إدارة شؤون الدولة التنفيذية العامة، فحتى حينما تضطر القوات المسلحة للتدخل حماية للأمن القومي وتستلم السلطة مؤقتاً كما حدث في أبريل 1985م أو مطولاً كما حدث في مايو 1969م فإنها غالباً ما تترك أمر إدارة الدولة للمدنيين الأكفاء أو تسلم الدولة لحكومة منتخبة لتعود لثكناتها وواجباتها الطبيعية، في الجزء الثاني سأذكر كيف يمكن للمدنيين أن يُبعدوا يد الجيش عن ساحة السياسة تماماً لينصرف لمهامه الطبيعية، بدلاً عن البكاء (كالأطفال) على ما لم يحافظوا عليه (كالراشدين)..
نواصل…

صحيفة اليوم التالي