التاج بشير الجعفري يكتب: جودة التعليم .. ما هو المطلوب؟
{رؤيتي}
جودة التعليم وتطوره ومواكبته لما يحدث من تغييرات عميقة في مناحي الحياة المختلفة تعتبر من المرتكزات الأساسية لتقدم ونمو أي دولة.
وقد صدر قبل فترة قصيرة التقرير العالمي لجودة التعليم الذي أظهر خروج “إستبعاد” السودان وثلاث دول أخرى هي سوريا واليمن والصومال من التصنيف العالمي المشار إليه.
ورغم أهمية الخبر وفداحته والآثار الكارثية التي ستترتب عليه إلا أنه مر مرور الكرام وكأن ما حدث شيء طبيعي وليس له أي تأثير على مستقبل التعليم في البلاد ومستقبل الأجيال القادمة من الأبناء والبنات؛ في ظل المشهد الحالي القاتم والمؤلم الذي تهيمن عليه بشكل تام أخبار الإنسداد السياسي والإنقسامات وما يتهدد البلاد من أخطار.
وللحقيقة؛ فإن خروج السودان من هذا التصنيف وإنكشاف الوضع الحقيقي لمستوى التعليم المتردي في كافة المراحل التعليمية كان مسألة وقت فقط لأن الوضع الذي وصل إليه مستوى التعليم في البلاد ظل ماثلا لفترة طويلة ولم يكن وليد السنوات الأخيرة.
كما أعتبر نتيجة هذا التصنيف مهمة جدا لجهة أنها ينبغي أن توقظ المعنيين من سباتهم العميق، إذ أنها يجب أن تكون بمثابة Wake-up call كما يقال بالإنجليزية؛ حيث عقدت من قبل العديد من المؤتمرات لمناقشة قضايا التعليم كان آخرها مؤتمر تعليم ثورة ديسمبر الذي انعقد بجامعة الخرطوم في العام 2020م وتم فيه نقاش مستفيض لأوراق عمل شملت كافة قضايا التعليم قدمها نخبة من ذوي الإختصاص في المجال بحضور وزير التربية ووكيل الوزارة؛ ولكن مثل ما يحدث مع كافة المؤتمرات الأخرى لم نرى نتائج ملموسة لما تم التوصل إليه من توصيات وهو ما أصبح مسألة متكررة في كل مؤتمراتنا المشابهة.
من الضروري أن يعي القائمين على أمر التعليم في البلاد أن العديد من الدول تجاوزت بنجاح الأمور المتعلقة بإختيار النظام التعليمي والمناهج الدراسية المناسبة والحديثة؛ بل إنها قطعت أشواطا بعيدة في تطوير أنظمتها التعليمية لتتواكب مع التغييرات والتطورات التي فرضها دخول التكنولوجيا الحديثة بشكل واسع في مجال الأعمال والحياة بشكل عام، هذا بالإضافة للتحديات الكبيرة التي أملاها تفشي وباء كوفيد-19 وما نتج عن ذلك من ضرورة استخدام التقنية الحديثة في إنجاز العملية الدراسية عن بعد.
وبرغم كل هذه التطورات الهائلة التي إجتاحت مجال التعليم في كل دول العالم، إلا أننا لا نزال نعاني من مشاكل أساسية تجاوزتها الدول منذ وقت طويل؛ كالمناهج وتدريب المعلمين وضعف مخرجات التعليم وعدم مواكبتها لمتطلبات سوق العمل.
ولذلك أرى ان الأمر يحتاج لوقفة جادة لإصلاح المنظومة التعليمية من كل جوانبها؛ البيئة المدرسية والجامعية، قضايا المعلمين، المناهج الدراسية، مراجعة طرق التدريس وتطوير البحث العلمي، والتدريب.
من المؤسف حقا أن يكون لدينا هذه الأعداد الكبيرة من الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل إما بسبب عدم توفر الوظائف أو لضعف التحصيل الأكاديمي لهؤلاء الخريجين وعدم قدرتهم لمنافسة رصفاءهم من الدول الأخرى على الوظائف بالخارج.
لذلك أرى ضرورة التركيز على التعليم المهني والتقني والذي تعتبر مخرجاته أكثر ملاءمة وانسجاما و”تخصصية” مع متطلبات سوق العمل الحالية ومتطلبات الوظائف بالداخل والخارج؛ فضلا عن أنه {التعليم التقني والمهني} يمكن أن يلبي الطلب على بعض المهارات الجديدة التي تتطلبها الوظائف في المستقبل.
وفي هذا الإطار ينبغي الإشارة للتحولات والتغييرات الكبيرة التي ستحدث في سوق الوظائف مستقبلا والذي يتوقع أن تستحوذ الآلة فيه على الكثير من الوظائف والمهام بشكل كامل؛ بالإضافة للوظائف التي ستتشارك الآلة إنجازها مع الإنسان وهو ما بدأنا نشهده من خلال إستخدام الربوتات وتقنيات الذكاء الإصطناعي لتأدية الكثير من الأعمال الروتينية والمتكررة؛ وهذا بالطبع يفرض تحديات كبيرة على المخططين والمعنيين بشؤون التعليم في بلادنا لضرورة وضع كل هذه التغييرات في الإعتبار والعمل على بناء وتطوير البيئة والأنظمة التعليمية وما يتطلبه ذلك من بنيات تحتية متطورة.🔹
صحيفة الانتباهة