مقالات متنوعة

نهى محمد الأمين تكتب.. القلم ما بزيل بلم


هذه المقولة من أصدق ما قيل من الأمثال السودانية، المراد من المثل بالطبع أن التعليم في المدارس والجامعات وخلافها والحصول على الشهادات، لا يعني بالضرورة أن تكون إنساناً جيداً واعياً حسن السلوك، وكم من آبائنا وأجدادنا، كانوا أميين، إلا أنهم نشأوا وتربوا على أعلى مستوى من الأدب والمثل، وأخذوا من دروس الحياة وخبراتها ما جعلهم مرجعيات، يلجأ إليهم كل من يطلب النصيحة والمشورة، فلا يرتد خائباً أبداً.
وفي المقابل هنالك الكثيرون ممن أتيحت لهم الفرصة ونالوا أعلى الشهادات من أفضل جامعات العالم، ولكن للأسف عند التعامل معهم، تجدهم لا يفقهون أبجديات السلوك الإنساني القويم، وتجد العلوم والمعرفة في وادٍ والخبرات الحياتية في وادٍ آخر،
كثيراً ما أصادف من المتعلمين ذوي الشهادات العليا ما يجعلني فقط أهز رأسي يمنة ويسرة، ولسان حالي يصرخ ( القلم ما بزيل بلم)
والدي – رحمه الله – كان قد أجرى جراحة قلب مفتوح بالمملكة العربية السعودية، وعند رجوعه أوصانا أخي الطبيب المقيم بالسعودية بمتابعة حالته مع أحد اختصاصيي القلب بالسودان، وقع اختياري على واحد ممن حصلوا على الدرجات العليا من جامعات أوروبا المرموقة، كان سعر الكشف عالياً جداً ، دخلت أنا وشقيقي والوالد – رحمه الله – وعندما ألقينا عليه التحية، رد باقتضاب وكان يدندن بأغنية او بلحن، ليعكس إلينا عدم التقدير والاحترام، بعد ذلك حاولت أن أبتدر الحديث وأقدم له معلومات بخصوص حالة والدي الصحية، والذي كان يعاني من فقدان للذاكرة بسبب المضاعفات التي حدثت أثناء العملية، فأشار لي بيده أن ( صه) وأخذ يطرح الأسئلة على والدي، والذي لم يتمكن من الإجابة بسبب ذاكرته المفقودة، في كل مرة كنت أحاول الحديث كان يشير بيده ليسكتني، في النهاية لم يجد أخي بداً من أن يتدخل ويخبره أن والدي فقد الذاكرة،
بعد ذلك أخبرته أننا قصدناه ليتابع معنا حالة والدي الصحية إلى أن يتماثل للشفاء التام، وطلبت منه أن أطلب أخي في الموبايل لأنه طبيب وكان حاضراً أثناء العملية وبإمكانه تمليكه الكثير من المعلومات التي ستعينه في أداء مهمته في متابعة الوالد رحمه الله، بكل غطرسة أجابني بأنه لا يتحدث مع أحد بالتلفون، حاولت إقناعه بأن أخي ليس لديه أي رغبة في التسامر معه على الهاتف، وأنني لو لم أكن متأكدة من أن كلامه مع أخي سيساعد في متابعته لوالدي، لما طلبت هذا الطلب، كان يزداد غطرسة وجهلاً، وعندما قلت له أنه لم يقدم لنا أي خدمة وأنني من الممكن أن أشتكيه، رد قائلاً ( اشتكيني لعمر البشير ذاتو)، فأخبرته أن يأخذ شهاداته ( الفرحان بيها) والتي تحصل عليها من دبلن ويعملها شربات ويشربها، فهي لا تساوي شيئاً.
سبحان الله، إذا كان الطبيب الحاصل على التخصص من دبلن، يقول مثل هذه العبارة ( اشتكيني لعمر البشير ذاتو)، ماذا إذن ترك للرجرجة والدهماء، والعامة أمثالنا،،،
حقاً أمثالنا السودانية القديمة بالغة في الحكمة و( القلم ما بزيل بلم).

صحيفة اليوم التالي