مقالات متنوعة

سليمان الماحي يكتب: أصلعان يتصارعان على مشط


الديمقراطية .. تعمر ولا تدمر .. تبنى ولا تهدم .. تحترم ولا تهان .. الأغلبية تحكم والأقلية تشارك .. لكن هذه المفاهيم الديمقراطية الراقية تكاد تكون غائبة كثافة سلوكية في المجتمع السوداني .. فالسياسيون ورهطهم بمختلف توجهاتهم الحزبية والفكرية والكروية يملأون الساحة والمنابر الإعلامية والأسواق ومجالس ستات الشاي هرجا ومرجا وأحيانا عويلا وصراخا يمكن سماعها بصوت عال في المظاهرات والمقابلات التلفزيونية .. لكن هل تسمعون لهم حسا حين يتعلق الأمر بالانتخابات ؟ .. فإن حدث ذلك فإنه يكون لماما بل كرها وهروبا من الواقع الديمقراطي وذلك عبر المطالبة بتمديد الفترة الانتقالية إلى ما لا نهاية أو على الأقل تمديدها لسنوات أكثر عما تقرر في الوثيقة الدستورية .

بالمنطق الحسابي لم يبق غير القليل من عمر الفترة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الدستورية بثلاث سنوات ومع ذلك لا نرى في نهاية النفق ما يبشر بحرص السياسيين الجالسين على زعامة الأحزاب بإجراء الانتخابات في الوقت المقرر لها وكل ما يتفرع عنها من الاستعدادات كالدعاية الانتخابية والندوات وورش النقاش التي تصب في صالح فعاليات الديمقراطية وبحسب الكثيرين فإن الوقت لم يعد في صالح الساعين لخوض المنافسة الديمقراطية اذا ظلت الامور سائرة على ما هي عليه الان فان المهم تجاوز الأحزاب معضلة الوقت واتخاذ الإجراءات التي تضمن تنظيم الانتخابات في وقتها المقرر .

صحيح ان الزول بين الفينة والأخرى يسمع جعجعة من هنا وهناك ولكن الصحيح أيضا أنه لا يرى طحنا ومن وجهة نظر السياسيين فان الإشكالية التي تواجه الديمقراطية وتمنع عن الانشغال بهموم الوطن ومتاعب المواطن هي غياب تحقيق المصالحة الوطنية وحتى تتحقق هذه المصالحة يتعين التعايش السلمي بين الأحزاب والأفراد لأن هذا التعايش هو الدرب الذي يؤدي للاستقرار المجتمعي وبالتالي ويفتح شهية المستثمرين من الخارج وخلق فرص العمل للشباب العاطلين .

بلادنا هذه الأيام تعاني واقعا سياسيا معقدا وقمة في الصعوبة و الأمر يزداد تعقيدا في وجود المظاهرات الاحتجاجية التي تتحرك بصورة يومية وتتهدد بجر البلاد نحو المجهول في غياب الحلول المقنعة للقضايا الشائكة لا سيما التي تنهك المواطن ماديا ومعنويا وجسديا أو حتى التي تشتم منها رائحة تفكك استقرار الوطن .. على أية حال فان واقع الحال السياسي المزري في بلادنا بات أشبه بأصلعين يتصارعان على مشط .

لا يختلف أثنان على أن صناديق الاقتراع الانتخابي هي الطريق الوحيد الذي يضمن استقرار البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا وتاليا ينبغي أن يحرص كل زول على ان يكون مهموما بالوطن أرضا وعرضا لأن التمثيل البرلماني يعزز البيئة الديمقراطية ويجعلها خصبة جاذبة فيها تحترم الحريات و المساواة بين أبناء الوطن وتكفل للمواطن ممارسة السلطات علاوة على تعزيز التعددية الحزبية .

لا بأس أن نشرح بأن الفترة الانتقالية التي قطعت شوطا بعيدا كانت عديمة الرائحة واللون والطعم إذ ينقصها الانجازات وبخاصة التي ضحى الشباب من أجلها وتمسح عن وجههم ( التكشيرة ) الناجمة عن هموم الحياة التي أثقلت كاهل المواطن وبات في حالة ركض دائم طوال اليوم بحثا عن الاحتياجات الضرورية الأسرية وفي الغالب الأعم يستعصي عليه الظفر بما تشتهي نفسه أو يخذله جيبه وعندئذ لا يكون أمامه من خيار آخر غير أن يعود إلى أسرته ( بخفي حنين ) .

أما أولئك الذين أرسلتهم ظروف الحياة الى خارج الوطن ليتدبروا أمورهم فالحال السيء من بعضه بل يبلغ الذروة حين يكون المغترب السوداني مهموما من جهة بايجاد الحلول لقضايا الأهل وأيضا بقضايا الوطن بأسره وتلك مسألة عايشها المغترب السوداني منذ عشرات السنين لكنها بقيت عصية على الحل .

صحيفة الانتباهة