مقالات متنوعة

د. عمر آدم قبله يكتب : شجون حديث” 5 “


.. لمن يهمه الأمر

كل عام وأنتم بخير. وابتداءً أرجو أن استميح عذراً بعض الأعزاء الذين ظلوا يشرفوننا بمُتابعة هذه التدوينات، لأننا كثيراً ما نجنح بعيداً تجاه مكونات الثقافة المحلية بشمال دارفور وذلك بدافع إتاحة فرصة أكبر لمزيد من التثاقف القومي أو حفظ ونشر بعض روائع التراث التي يحجبها البُعد الجغرافي عن التداول اليومي. وأود في هذه السانحة أن أشكر الأستاذين إسماعيل إدريس وأحمد محمد عبد الرحيم على إضافتهما الثرة حول حادثة صيد الأسد آنفة الذكر. ورغم معاصرتي للرجلين في مرحلة الأساس، إلا أن الصلة بيننا قد توثّقت في المرحلة المتوسطة بالفاشر الأميرية التي غادراها إلى الأبيض الصناعية ليكونا من القلائل الذين اتّجهوا للثانويات الصناعية من أبناء المنطقة وإن كان قد سبقهما إلى ذلك جيل متقدم عنهم بعض الشئ يمثله كل من الباشمهندس آدم عبد النبي والفريق آدم حامد والأستاذ يوسف اللازم. ولكن من المفارقات أن إسماعيل وصديقه أحمد عرب قد التحقا بتعليم الأساس بعد التخرج من الأبيض الصناعية وقد غادر أحمد محمد عبد الرحيم إلى الجماهيرية ليزاول نشاطه الهندسي هناك، وبقي إسماعيل كواحد من ركائز تعليم الأساس بمحلية الكومة حتى يومنا هذا فلهما التحية والتقدير. ورأيت أن أقف أيضاً عند واحدة من ملاحظات الباشمهندس شمس الدين حولي الذي ظلّ هو الآخر أحد الذين يتابعون هذه التدوينات ويشجعون استمراريتها. فأقول الصحيح في مقام تعليقه هو (أم دِفرة) وليس (أم جفنة) كما أشار.

وكلمة أم جفنة ليست في لهجتنا أصلاً. فنحن نقول (أبو جفنة) للسلحفاة البرية والتي يسميها البعض (أبو القدح)، وكلمة جفنة هنا صحيحة فصيحة. وعندما يكون هناك عدد من السلاحف يسمونها (أمات جفان) جمعاً. وهناك منطقة في بوادي السافل تُعرف بـ(أمات جفان). وكذلك أذكر أن هناك نوعاً من النبات العشبي يسمى (أم جفناية) أما (أم دفرة) المذكورة في الأغنية فهي الناقة التي تحمل وسماً محدداً يسمونه (الدِفرة) وهو محور على العنق من الناحية اليمين ويعتبر فرزة لأربعة أو خمسة من خشوم البيوت في مجموعة (أولاد جربوع) في الإبل تحديداً. ويروى عن عيسى ود جبرين وهو يصف أخوه موسى قوله.

موسى الريف أبو شقين

عمك حامد أبوك جبرين

البوسمو الدِفرة والمازنين

والمازن هو محور مشترك عند كل بطون الزيادية تقريباً ولكن أهلنا أم خليفة لديهم مازن آخر خاص بهم.

ويروى كذلك عن حجير ود بخيت رباعية تقول:

“ود الخملة” كان دايرنا بنوصّفلهْ

تبرن في جواميس بت سعيد الطفلة

قول للقافو بجبال تيقة حزموا “أم دِفرة”

نحن نحرّب الجمالي نلفض صَفره

ومن يقولون “أم دِفرة” يعنون ذات الدِفرة مثلما يقولون “أم قوزين” أي “ذات القوزين”. ويقال إن الدكتور صديق أمبدة عندما كان طالباً بالجامعة يسمى جامعة الخرطوم بـ(أم لبخ) أي ذات “اللبخ” ولا تزال أشجار اللبخ تُشكِّل حضوراً مميزاً في هذه الجامعة. ويسمى أهل الشرق بادية البطانة بـ(أم هبج). وأقول نعم الحكاية مرتبطة بحادثة تاريخية مفادها أنّ فارساً اسمه جلد الفيل قد أغار على منطقة المالحة وتدلى حتى البئر والعين المشهورة ووضع وسمه على تبلدية كانت هناك وحاز على أعداد من قطعان الإبل ثم غادر ولذلك قالت الحكامة:

نقارته رزّمها وأم دِفرة حزّمها

جلد الفيل حتى المالحة أوسمها.

*وعلى “الدِفرة” فإنّ لكل خشم بيت في القبيلة وسماً يُميِّز به قطعان الإبل الخاصة به فـ(القناع) للنفاعية و(المرواد) لناس الادرج و(القيد) لأولاد سليم و(السوط) لأولاد أمبدة و(العُقل) لإندراوه و(العيّاب) لبعض من الترجم ولبعضهم (الوتيد) و(الشباط) لبني عاطف و(الفرس) لأم حمامة وهكذا.

ودمتم في رعاية الله وحفظه..

صحيفة الصيحة