مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب.. الملكية الفكرية.. هذا القانون الركيك


كثيراً ما كتبت عن تجربة الملكية الفكرية في السودان أو فيها كقانون يحكم الإبداع .. وكثيراً أيضاً ما كتبت ذلك في عهد التجاني حاج موسى ويظل هذا القانون محل جدل كبير ويحتاج لنقاش مستفيض، لأن هناك بعض المعيبات التي تعتري ملامح هذا القانون .. وبما أن الدكتور ياسر تم تعيينه مديرا للمصنفات الأدبية … نكتب لهذا الرأي عسى ولعل أن نجد منه إجابة باعتباره خبيرا ومتخصصا في هذا الشأن.

ثمة تشوهات وبثور تعتلي وجه قانون الملكية الفكرية ولم يزل هذا القانون يُثير جدلاً كثيفاً ولم يجد الرضاء المطلق حتى الآن .. فالبعض يرى بأنه أوفى كافة الحقوق وأعطى الجميع دونما تمييز .. ولكن البعض يرى بأنه قانون ظالم في جزئية المغني .. بينما منح الشاعر والملحن حقهما كاملاً.

الجدل الكثيف الذي يدور حول قانون الملكية الفكرية جعل صديقنا الراحل المحامي أسعد الطيب العباسي (طيب الله ثراه) كان قد أجرى تحقيقاً ذكياً حول القانون وبعض الأطراف التي ظلمها مشرعو القانون .. كنت من بين من استطلعتهم أسعد العباسي في صحيفة حكايات (رد الله غربتها)، فقلت له (حينما تأتي سيرة الملكية الفكرية وقضايا الحقوق بكافة تصنيفاتها أصيلة ومجاورة وغير ذلك ، أتذكّر أغنية (تباريح الهوى) التي صاغها شعراً الشاعر التجاني حاج موسى ووضع لها الألحان الموسيقار محمد سراج الدين وتغنى بها الفنان العظيم محمد ميرغني ، وهذه الأغنية سكنت وجدان الناس بصوت محمد ميرغني المعتق .. وحينما يرددها أي فنان آخر تبدأ المقارنة بينه ومحمد ميرغني ، وهذا يؤكد أنه صاحب (حق أصيل) ، وإذا كان التجاني حاج موسى يمتلك (النص الشعري) ومحمد سراج الدين يمتلك (المؤلف اللحني) فإن محمد ميرغني يمتلك (الصوت).

ولكن واقع الأمر يقول بأن التجاني حاج موسى ومحمد سراج الدين يمتلكان كتلة مادية ومحسوسة وهذا لا يتوافر لمحمد ميرغني لأن الصوت يتوافر عند فنانين آخرين غيره باعتبار أن الاغنية يمكن أن يغنيها عدد من الفنانين ولكن لا يستطيع أي شاعر أو ملحن أن يدعي ملكية النص الشعري أو المؤلف اللحني لأغنية تباريح الهوى.

قصدت أن تكون أغنية تباريح الهوى نموذجية مع أن هناك مئات النماذج والأمثلة والأدلة .. ولكن لأن شاعر الأغنية كان هو الأمين العام للمصنفات الاتحادية وهو الذي سمح لمطربين أن يتغنوا بها رغم عدم رضاء محمد ميرغني .. ولكن رفض محمد ميرغني مبررُ من الناحية (الأخلاقية) ولكن من الناحية القانونية غير مبرر.. بذلك يمكن أن أقول بأن القضية ليست بفكرة مع أو ضد ولكنها قضية شئ مقبوض في اليد كالنص الشعري أو المؤلف اللحني وشئ يذهب مع الهواء ـ وأعني الصوت ـ.

من المؤكد أن المشرع لقانون الملكية الفكرية ذهب بناحية (الحسية) وأغفل (المعنوية) لذلك كان التأرجح في الظلم .. ولكن هل نعلم أن مطربة بقامة أم كلثوم تندرج تحت هذه الطائلة، طائلة الحق المجاور !!! أم كلثوم التي قدمت بعض المجهولين وقادتهم لقمة الشهرة والمجد وتسلقوا أكتافها وحصدوا المجد والمال، ليست صاحبة حق أصيل بل مجاور .. دعوني أقول انه (الحق الجائر) بكل تناقضات الجملة!!!

الحق المجاور أو الجائر كما أطلقت عليه، يظل هو الثغرة الوحيدة في ذلك القانون لأنه جرّد فنانين كبارا من حق أصيل أمثال محمد ميرغني وابراهيم عوض، بينما منح أمثال أمجد حمزة الحق الأصيل.

تلك هي سبة القانون، فهو حوّل (النفيس) الى (خبيث) وأعلى من شأن بعض قصار القامات ورفعهم فوق أصحاب التجارب الأصيلة .. لذلك ينبغي أن نتوقّف قليلاً في جزئية المغني باعتباره صاحب حق مسلوب.

النماذج التي ظلمها القانون لا تحد اذا أردنا ذكرها بالاسم .. فهناك الكثير من الأسماء التي قدمت للغناء ولكنها وجدت الظلم الكبير من هذا القانون الركيك كما وصفه الدكتور محمود السراج الشاعر والملحن والمغني والممثل الأجمل.. (عزت أبو عوف) السوداني كما أحب أن أسمِّيه.

صحيفة الصيحة