احمد يوسف التاي يكتب: مبادرة الحكماء (2)
(1)
أشرتُ في المقال السابق إلى تحفظي الوحيد على ما جاء بفقرة في مبادرة حكماء السودان، وقلتُ إذا كان المقصود بقلب الصفحة الوارد في المبادرة (عفا الله عمَّا سلف) وترك الباب مفتوحاً لكل من ارتكب جريمة أن يفلت من المحاسبة فهذا الأمر لن يكون مقبولاً، وهذا سيفتح الطريق واسعاً أمام رفض المبادرة واتهام أصحابها بأنهم يريدون إيجاد مخارج آمنة للمجرمين الذين قتلوا ونهبوا ونكلوا وعذبوا وعاثوا في الأرض فساداً… يجب أن تنص المبادرة بشكل واضح على معاقبة كل من ارتكب جرماً بحق الوطن والمواطن بما في ذلك ملف فض الاعتصام، وقتلة الثوار في مواكب ما بعد الخامس والعشرين من اكتوبر…
(2)
في رأيي أن المبادرة خطوة متقدمة في اتجاه تجاوز الأزمة الحالية، صحيح أن هناك بعض التحفظات من هنا وهناك ولا بد أن تؤخذ في الاعتبار، طالما أن المبادرة طُرحت للنقاش والحوار واستكمال جوانبها، وطالما أنها تخص شأناً عاماً قومياً، فالأجدر هو التفاعل معها ونقدها بشكل موضوعي وتصويبها، هذا بالطبع أفضل من تخوين أصحابها وكيل التهم عليهم والتركيز على الشخصيات وتاريخها بدلاً عن مضمون المبادرة… إذا جلس الناس في بيوتهم واكتفوا بالتخوين والتجريم والشيطنة فهل يا ترى هذه الممارسة ستحل الأزمة..
(3)
كلما تعقدت الأزمة واستعصت على الحل وغرق الناس أجمعين في شبر موية وانعدم الفعل الإيجابي، كلما تمددت التدخلات الأجنبية واتسعت نفوذها وأصبح الأجنبي هو الحاكم وهو الآمر والناهي، وبهذا ستصبح السيادة الوطنية مجرد كلمة تُقال للاستهلاك السياسي… على الذين يمتلكون حساسية مفرطة ومطلوبة تجاه التدخلات الأجنبية، عليهم أن يتحركوا إيجابياً بطرح المبادرات، والتفاعل إيجابياً مع المطروحة وبذل الجهود المخلصة والمتجردة من الأغراض والهوى والأجندات… وعلى الذين أدمنوا التخوين وتجريم النوايا والتشكيك في أية جهود ومساع للحل عليهم أيضاً أن يتخطوا هذه المحطة المدمرة والنظر إلى الجانب المليء من الكوب…
(4)
في تقديري أن أفضل ما جاءت به المبادرة هو إبعاد أطراف الصراع الحاليين ابتداءً من أعضاء مجلس السيادة العسكريين والمدنيين برئاسة البرهان، وأعضاء الحكومة الـ(15) وزيراً الذين عينهم البرهان، وتشكيل البرلمان من شركاء الثورة الحقيقيين من ثوار وتجمع مهنيين ونحوهم … الموضوعية تقتضي أن نناقش أي مبادرة أو أية فكرة على نحو متجرد وننظر إلى جوهر الفكرة وقدرتها على إخراج السودان من هذه الأوحال وبرك الدماء، فإن كانت المبادرة جيدة وقادرة على العبور بسفينة الوطن إلى بر الأمان وقادرة على إبطال السيناريوهات الأسوأ فمرحباً بها، وإلا قومناها وانتقدنا الجوانب التي تستحق ذلك ، وأضأنا العتمة فيها لأن القضية قضية وطن ومستقبل أجيال وليست قضية شخصية وليست قضية شجار بين أفراد….. يجب أن نناقش هذه الأفكار جيداً ونخضعها للحوار والجرح والتعديل، ونقبل ما هو إيجابي ونرفض ما من شأنه أن يثير الجدل والشكوك…….اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة