مقالات متنوعة

النيل الأزرق.. كيفية إعادة التوطين

وصل يوم الجمعة الماضي حوالي (1300) الف وثلاثمائة مواطناً سودانياً إلى مدينة الكرمك الحدودية قادمين من معسكر تنقو بإقليم بني شنقول، والذي يستضيف أكثر من (10300) لاجئ تعرضوا خلال هجوم مليشيا أونك لعمليات نُهب وحرق واسعة داخل المعسكر، فيما يُتوقّع وصول العديد من اللاجئين خلال الأيام القادمة، وذلك جرَّاء الأحداث الدامية التي تعرّض لها ذات المعسكر من قبل مليشيات أثيوبية جبهة (أونك) من قومية الأرومو المتمردة على الحكومة الأثيوبية، الأمر الذي إستدعى حكومة الإقليم ومنظمات الأمم المتحدة في المنطقة بالشروع في إعداد معسكرات لجوء جديدة بمنطقة صورى بالقرب من أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول.
وفي السياق، أفادت الأمم المتحدة الجمعة الماضية، بأنها تسارع بتقديم المساعدة لأكثر من (20) ألف لاجئ سوداني وجنوب سوداني فروا من الاشتباكات في شمال غرب إثيوبيا، حيث تعرضت مخيماتهم للنهب والحرق والإجبار على الخروج منها والعودة للسودان، ولفتت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى قتال اندلع في الثامن عشر يناير الماضي بمعسكر تنقو بين القوات الفيدرالية وجماعات مسلحة مجهولة الهوية في إقليم بني شنقول.
وقال المتحدث باسم المفوضية بوريس تشيشيركوف، للصحفيين في جنيف بأن مخيماً بالقرب من تونغو تعرض للحرق والنهب في أواخر ديسمبر الماضي ، ما تسبب بانقطاع ما مجموعه (22000) إثنان وعشرون ألف شخص في كلا المخيمين، وذكر على أن الوضع في بني شنقول الذي يستضيف أكثر من 70 ألف لاجئ سوداني وجنوب سوداني، وأكثر من 500 ألف نازح إثيوبي داخلي، وأن الوضع هناك لا علاقة له بالصراع المستمر في منطقة تيغراي الشمالية بإثيوبيا.
من جانبها شرعت وزارة الصحة بإقليم النيل الأزرق في إنفاذ تدخلات عاجلة للاجئين العائدين من معسكر تنقو بإقليم بني شنقول، ووقف وفد مقدمة الوزارة الذي وصل إلى مدينة الكرمك برئاسة مدير عام وزارة الصحة عبد العظيم أحمد وعمر الشيمي مدير عام وزارة الرعاية الاجتماعية، وبصحبة قافلة صحية وفريق متكامل يضم إدارتي الطوارئ وصحة البيئة، وذلك لتقديم الخدمات اللازمة وإجراء التدخلات العاجلة للاجئين العائدين.
ولعل الواقع المعاش الآن بالنسبة للعائدين سواء بمدينتي الكرمك أو قيسان معاً، ومن
منطلق الإقرار بمدى صعوبة وتعقد أوضاع هذه الحالات وضخامة ما يعانونه
من نقص في الحاجات الأساسية، فإن الأمر يتطلب من السلطات الحكومية بالإقليم والمركز معاً، وممثلةً في حكومة الإقليم والمفوضية القومية للعون الإنساني، ضرورة التدخل العاجل وبقوة وأن تمنح مؤسسات المعونة الإنسانية الدولية وغيرها من الهيئات المختصة سلطة التدخل السريع وبدون أي معوقات، حيث يمكن أن تأخذ المعونات الدولية أشكالا كثيرة بما في ذلك عملية نقل النازحين داخلياً، وكذلك نقل
الأغذية وغيرها من المساعدات العاجلة، بالإضافة إلى المساعدة في إعادة التوطين وبأفضل السبل المتمثلة في إعادة توطين هؤلاء العائدين في قرى نموذجية، والعمل الجاد لأجل إخماد الصراعات الحادثة في السودان عامة، وفي المناطق التي أجبر سكانها على النزوح جراء الحرب التي دارت في النيل الأزرق في الثالث من سبتمبر من العام 2011م، ومن ثم تشجيع ومساندة ما يخص حقوق الإنسان وكذلك وضع خطط التنمية الاقتصادية طويلة الأجل.
أما فيما يخص تقييم وتحديد الحماية التي يحتاجها هؤلاء العائدين والمعاد توطينهم
فعلى المنظمات الدولية أن تعمل بالتوازي مع السلطات الوطنية على تقييم
الوضع الأمني في تلك المناطق، بما في ذلك إمكانية وجود ألغام أرضية، وتقييم سلوك السكان المحليين تجاه عودة النازحين، ومعرفة مدى توفر الغذاء والملاجئ والملابس والرعاية الطبية المطلوبة في هذا الخصوص، وكذلك حالة الأبنية والبنى التحتية من مدارس وعيادات طبية وحالة الطرق والكباري ونظام الصرف الصحي، وغيرها من سبل حماية حقوق الإنسان للعائدين، فضلاً عن ذلك فيجب على
السلطات المختصة بهذا الأمر أن تلتزم بمساعدة العائدين والمعاد توطينهم في استرداد ممتلكاتهم، أما إذا ثبت استحالة الاسترداد فعليها أن تساعدهم
في الحصول على التعويض المناسب، وفي سبيل صياغة عملية لواجب
فإنها تتضمن بوضوح أهمية إلتماس الحلول السلمية السلطات الوطنية
للصراعات واتخاذ الخطوات اللازمة التي تكفل احترام حقوق الإنسان والقانون
الإنساني وأيضا توفير انتقال آمن للنازحين داخلياُ، بالإضافة لتقديم المساعدة
الكافية والملائمة بما في ذلك حماية الأفراد أثناء وبعيد نقلهم للأماكن
الجديدة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض المطلوبات من الصعوبة القيام بها، لاسيَّما وأن
الصراعات المسببة للنزوح الداخلي غالباً ما تؤدي لدمار البنية التحتية، ولذلك
فمن المحتمل أن يعود النازحون إلى مناطق تفتقر للعناية الطبية والطرق
والمدارس وبعض الخدمات الأساسية الأخرى، ومن الممكن أن يستغرق الأمر أعواماً قبل أن تصبح هذه المجتمعات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي،
فمن المحتمل حدوث توترات بين مختلف السكان النازحين داخلياً واللاجئين العائدين لديارهم وكذلك من بقوا أثناء الصراع، وبعض هؤلاء ربما يكون وفي هذه الأثناء
مقيماً في الممتلكات التي كانت ملكاً في السابق لهؤلاء العائدين،
ولنجاح عملية إعادة التوطين والتأهيل للعائدين فإن الأمر يتطلب ضرورة وجود برامج مؤسسة، وعلى إشتراك متكامل بين الحكومات المعنية والمجتمع كله بشكل تعاوني وذلك لإعادة تشييد البيئة التحتية ولتحقيق استهداف التسوية وإنهاء جذور النزاع، على أن تشتمل تلك الجهود على أهمية إعادة ترسيخ دور القانون، وخلق آليات لتعزيز وللدفاع عن حقوق الإنسان وإحياء الإجراءات القضائية التي تكفل حل النزاعات على الملكية وغيرها من النزاعات، حيث تقع على عاتق السلطات الوطنية المسئولية الرئيسية في ضمان الوصول لحلول جوهرية فيما يخص مشكلة النازحين داخليا. هذا ويجب على هذه
السلطات أن توفر للنازحين داخلياً الظروف المواتية التي تمكنهم من العودة
بأمان وبكرامة، وبالإضافة لذلك فعليها الالتزام بتوفير جميع الوسائل التي
تكفل تأمين عملية العودة أو إعادة التوطين، ويجب على هذه السلطات أن
تبذل قصارى جهدها في سبيل تسهيل عملية إعادة تأهيل واندماج النازحين، خاصة وأنه ولتوفير المساعدات الإنسانية لهؤلاء العائدين، وتلك إذن هي الخطوات التي
يمكن لحكومة إقليم النيل الأزرق ومفوضة العون الإنساني اتخاذها وبالتعاون مع الهيئات ذات المسؤوليات المحددة للوصول لحلول نهائية في الخصوص،
هذه الحلول من الممكن بلوغها حينما يستعيد هؤلاء العائدين أماكن إقامة
مستقرة وآمنة، وذلك بالعودة لموطنهم الأصلي أو بإعادة توطينهم في مكان
آخر.

النذير إبراهيم العاقب
صحيفة اليوم التالي