مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب : عمر الشاعر .. لو عارف عيونك!!

(1)

بعيداً عن الحصر الجغرافي الضيق .. تظل مدينة كسلا واحدة من المدن التي اشتهرت بتقديم المبدعين العباقرة الذين استطاعوا أن يضعوا كسلا في وجدان كل سوداني.. ورغم أن كسلا هي صنيعة الطبيعة ولكن مبدعوها جعلوها أكثر جاذبية.. لأنهم يمتلكون قدرات إبداعية متجاوزة وجديدة.. ولو حاولت أن أحصر من قدّمتهم كسلا للوجدان سوف أبدو كمن يحاول أن يحسب النجوم!!

(2)

كتبنا الكثير عن المبدع الجميل إسحق الحلنقي وترباس وإبراهيم حسين وكجراي.. وغيرهم وغيرهم .. ولكننا في بعض الأحيان نتناسى مبدعا بقيمة الموسيقار (عمر الشاعر).. فهو بتقديري واحد من أكثر المبدعين الذين أنجبتهم جبال التاكا والسواقي وتلك الفراشات التي تحوم على تخوم نهر القاش .. تلك المكونات أنتجت الوجدان الجمالي للموسيقار والملحن عمر الشاعر.

(3)

ومعروف تاريخياً بحسب بعض المصادر إن الموسيقى السودانية قد عرفت عدداً من الملحنين المتخصصين في التلحين فقط، من أمثال الموسيقار ناجي القدسي والموسيقار يوسف الموصلي والموسيقار أنس العاقب والموسيقار عبد اللطيف الخضر والموسيقار برعي محمد دفع الله.. قد أسهم بعض هؤلاء الموسيقيين المتخصصين في التلحين في تطوير الموسيقى السودانية.. وترك بصمات واضحة في مسار تطورها.. وعمر الشاعر لا ينقطع عن تلك المنظومة التي حاولت في فتح مسارات موسيقية جديدة.

(4)

صحيحٌ إن التاريخ يقول إن عمر الشاعر بدأ مغنياً .. وكما يروى أنه في 1974م حاول الغناء بنادي الضباط في احتفال كبير حضره الرئيس الأسبق جعفر نميري، ولما كان صوته غير مجاز عبر لجنة النصوص والألحان، رفض القائمون على أمر الاحتفال تقديمه، إلا أن الأستاذ محمد خوجلي صالحين حدثه في ذلك اليوم بأن يأتي إليه في الصباح للإذاعة ليساعده في إجازة صوته وقد كان بيد أن (جنابو عمر، كما يحلو للبعض مناداته) فضّل ضفر الألحان وبروز شهادته في صالون منزله، ومع ذلك ظل يغني العميد في بعض المناسبات لصالح أصدقائه والمقربين منه وهناك تسجيلات في التلفزيون يؤدي أغنيات لحنها من أعمال الشاعر الرقيق التيجاني حاج موسى أن يؤدي رائعة الكابلي أغنية (في عز الليل).

(5)

حينما تخرج عمر الشاعر في معهد الموسيقى في العام 1974 .. اكتشف أنه يصلح (كملحن) وليس مغنياً .. ولعله بذلك المنحى كان ذكياً وهو يختار نسج الألحان على الغناء .. وذكاء الرجل يكمن في أنه ما كان له أن يكون اسماً بارزاً في ظل وجود أسماء كبيرة في عالم الغناء .. كانوا في أوج نضجهم وقدراتهم كانت تتفجّر لتغيِّر معالم الغناء السوداني في ذلك الوقت أو الزمن الذي عادةً ما يُوصف ويسمى بالزمن الجميل.

(6)

كان من الصعب أن ينافس مطربون بقدرات أبو عركي وزيدان ومحمد الأمين ومحمد وردي الذين كانوا يقودون ثورة وتجديدا على كل شئ .. ولعل عمر الشاعر نفسه يعتبر واحدا من الثوار وحملة راية التجديد في الموسيقى والأغنية السودانية .. وهو بقدراته الفطرية استطاع استخدام المسارات اللحنية الجديدة والانتقالات المقامية، بجانب الاتجاهات اللحنية الصاعدة والهابطة.

(7)

تعدد التعاملات الابداعية لعمر الشاعر فهو قدم أغنيات لثنائي النغم ، ثنائي الجزيرة ، نجم الدين الفاضل، عبد العزيز المبارك، حركة، وعثمان مصطفى وآخرين.. ولكن تظل تجربته مع الراحل زيدان ابراهيم واحدة من أهم الشراكات الإبداعية التي قدمت للغناء السوداني العديد من الأغنيات الباهرة .. وهي كلها أغنيات تميزت بالسلاسة اللحنية والجُملة الموسيقية ذات الطابع السوداني.. ومن يستمع لمجمل الألحان التي قدمها عمر الشاعر يلحظ المحاولات والتجريب المستمر في شكل القالب اللحني والإيقاعي.

(8)

قصدت أن أتوقف قليلاً عند مبدعنا الكبير عمر الشاعر.. وهو تجربة ضخمة لا يمكن أن تحتويها بضعة أسطر.. ولكنها محاولة فقط للكتابة يكتنفها الكثير من التقدير لمبدع أجزل العطاء ومَا زال يَحمل الكثير.

صحيفة الصيحة