صديق البادي يكتب: التدخلات الأجنبية الخبيثة وضرورة الحوار لاسيما مع الشباب
قبل نصف قرن من الزمان (1962- 2022م) وضع الإتحاد السوفيتي صواريخ نووية بجزيرة كوبا موجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية التي تقع بالقرب منها وأدى هذا لنشوب أزمة حادة بين الدولتين المتنافستين والقطبين العالميين المتنافرين عرفت بأزمة (خليج الخنازير) التي شدت إنتباه ومتابعة العالم أجمع الذي خشي أن تؤدي لمواجهات عسكرية وإشعال شرارات ونيران حرب عالمية ثالثة لاتبقي ولا تذر. ووجه الرئيس الأمريكي جون كنيدي إنذاراً حاد اللهجة وطالبهم بسحب تلك الصواريخ النووية فوراً بلا إبطاء وتأخير وإلا فأنه سيقوم بالهجوم عليهم وتوجيه صواريخه نحوهم ( ولا يفل الحديد إلا الحديد) ( ولاتخمد النار في الحشائش اليابسة إلا بإيقاد نار تزحف عليها ) وأضطر خرتشوف لسحب الصواريخ النووية من جزيرة كوبا في اليوم الثاني من شهر فبراير 1962م وأضعفت تلك المغامرة الفاشلة موقف خرتشوف وهزت مكانته داخل وطنه ووسط المنظومة الشيوعية وأدت لتقليص سلطاته وتهميشه بالتدريج حتى أبعد نهائياً من السلطة والمشهد السياسي في عام 1965م وإنزوى وإنطوى على نفسه حزيناً مكتئباً حتى أدركته المنية .. ودارت الأيام دورتها وبعد نصف قرن من الزمان عاد التوتر القديم بين روسيا وبين أمريكا وحلفائها وأحتدمت الخلافات وأشتدت الأزمة حول أوكرانيا القريبة من روسيا ، ويأمل الجميع أن ترسو سفنتهم على البر لئلا تحدث مواجهات عسكرية تؤدي لحرب تكون عواقبها وخيمة على العالم أجمع ….
وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي لعدد من الدول أصبحت كل منها دولة قائمة بذاتها إنطوت صفحة الحرب الباردة والقطبية الثنائية وشهد العالم في الثلاثين عاماً الأخيرة قطبية أحادية أمريكية ولكن دوام الحال من المحال وحدثت متغيرات واخذ الدب الروسي ينتفض ويسعى ليستعيد وضعه السابق والصين أصبحت مارداً إقتصادياً ورقماً عالمياً كبيراً وتسعى لتكون في الصدارة ولها استثماراتها وتجارتها في إفريقيا ودول أخرى كثيرة وقطعاً أن كل هذا سيؤدي لإنهاء القطبية الأحادية .. وأن الحرب الباردة السابقة تركت هامشاً للمناورة استفادت منه دول أخرى منها السودان وفي عهد حكومة نوفمبر تم توظيف الدبلوماسية والعلاقات الخارجية لصالح التنمية والبناء والتعمير وقام الرئيس إبراهيم عبود ووزير خارجيته الأستاذ أحمد خير المحامي ومن معهم في وفودهم بزيارات لعدد من الدول في الغرب والشرق نتج عنها قيام مصانع للسكر وعدد من الصناعات التحويلية وقيام شوارع وطرق مثل شارع الخرطوم – مدني وشارع المعونة بمدينة الخرطوم بحري ومد خطوط السكة الحديد غرباً وجنوباً وإقامة التلفزيون ودعم الخدمات وتوسيع التعليم وزيادة وترقية الخدمات الصحية بمقاييس ذلك الزمان ..الخ . وزار عدد من رؤساء تلك الدول السودان ودعا الرئيس الأمريكي كنيدي الرئيس إبراهيم عبود لزيارة أمريكا وأرسل له طائرة أحضرته هو والوفد المرافق له وأعادته واستقبله هو وزوجته جاكلين كنيدي في المطار بواشنطن استقبالاً حاراً . وكانت للدبلوماسية أعرافها وضوابطها وهيبتها أما الآن فقد حدثت فوضى وإنفلات واضح وأصبحت بعض السفارات تسرح وتمرح بلا رقيب أو حسيب وأخذ بعض الدبلوماسيين الأجانب يتصرفون كما يشاءون ويقابلون بالكيفية التي تروق لهم وعلى سبيل المثال فأن السفير البريطاني السابق كان يكتب مقالات وأعمدة في الصحف السودانية يبدي فيها وجهة نظره في قضايا تخص شؤون السودان الداخلية وينتقد ويوجه دون أن يسأله أحد … وخلال الأزمة الحالية التى يمر بها السودان فأن الخواجات يلعبون على الحبلين ويصبون الزيت على النار لئلا تخمد ليزيد إشتعالها وأخذوا يخوضون في الشأن السوداني وكثرت إفاداتهم للأجهزة الإعلامية وتصريحاتهم وتعليقاتهم وتوجيهاتهم بل أن منهم من نصب نفسه وصياً وحاكماً خفياً للسودان وصرح على رؤوس الأشهاد دون مبالاة بأن أسماء المرشحين ليشغل أحدهم منصب رئيس الوزراء لم تطرح وتعلن حتى الآن وقطعاً أن عدداً من الخواجات ومخبريهم وبعض السفارات الأجنبية والدبلوماسيين الأجانب يتابعون من وراء ستار بإهتمام بالغ البرنامج والجدول الزمني للمظاهرات وما يدور فيها ويتعلق بها من معلومات وبالتأكيد أن كثيراً من المتظاهرين يتظاهرون معبرين عن قناعاتهم بصدق وهم يرفعون شعارات تتبعها هتافات لتحقيق أهداف حدودها وليست لهم مصالح أو مطامع ومنافع مادية ذاتيه ولكن ربما توجد قلة إنتهازية جشعة تسعى خلف هولاء المتظاهرين ومن وراء ظهورهم للكسب المادي الطائل من الخواجات وغيرهم من الممولين ومصلحة هولاء أن تستمر المظاهرات إلى ماشاء الله طالما اصبحت المظاهرات دجاجة تبيض لهم ذهباً ، وفي الطرف الآخر يوجد نفس النوع الإنتهازي المستغل للظروف والتوترات التي يمر بها الوطن لتحقيق مكاسبهم ومنافعهم . والأخطر أن بعض ممولي المظاهرات أو بالأحرى من يقبضون التمويل ويقومون بالتصرف فيه يستعينون ببعض صغار السن من المستضعفين في الأرض المنتمين للشرائح الفقيرة التى يتعاملون معها باستخفاف ويعتبرونها من سقط المتاع في قاع المجتمع وسفح السلم الإجتماعي ، ويقدمون لهم بعض الفتات الذي بالكاد يسد رمقهم ليقوموا بقفل الشوارع وتتريسها ، وقد تصدر منهم بعض عمليات الشغب التي تؤدي إلى المواجهات مع ترديدهم في نشوة لهتافات يهرفون فيها بما لا يعرفون . والمؤسف أن المواجهات الدموية في المظاهرات أدت لفقدان ارواح عزيزة وأبرياء فقدتهم أسرهم وفقدهم الوطن مع كثرة الجرحى والمصابين …. وفي ظل هذه الأجواء المتوترة الملتهبة والصراعات حول مواقع السلطة والجاه أهمل الإنتاج والقطاعات الإنتاجية وزادت الفوضى والهمجية في الأسواق والإرتفاع الجنوني في الأسعار والخدمات ، وتردت الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة في المجتمع مع توالي إصدار القرارات العشوائية وزيادة المرتبات بنسبة خمسمائة وخمسين في المائة في المرة السابقة ، كانت نتائجها كارثية وحدث تضخم رهيب وفقدت العملة المحلية قيمتها الشرائية ، والآن أعلنت زيادات جديدة في المرتبات صحبتها زيادات باهظة في أسعار الكهرباء والوقود وفور إعلان زيادة المرتبات وقبل تنفيذها قفزت الأسعار في كافة السلع والخدمات قفزة هائلة هي بداية لقفزات متتالية هائلة تؤكد كل المؤشرات أنها ستحدث . وإذا حدث عجز حتى في الوفاء بتسديد الإلتزامات المالية في الفصل الأول المتعلق بالمرتبات فالمؤكد أن يتم سد العجز بالاستدانة من النظام المصرفي وهذا يؤدي لمضاعفة التضخم بنسبة كبيرة ، وإذا لم يتم تدارك الموقف منذ وقت مبكر فأن الميزانية ستنهار ويقف حمارها عند العقبة وتلك لا قدر الله ستصبح كارثة .
وفي مثل هذه الأجواء المتوترة الملتهبة إنتشرت الجرائم الجنائية إنتشاراً مخيفاً وكثرت جرائم القتل وإنتهاك العروض والتعدي على الحرمات والإغتصاب القسري تحت التهديد بالسلاح وكثر عدد اللصوص الحاملين للسلاح وتضاعف عدد النشالين في أماكن التجمعات والأسواق ومواقف المواصلات وأصبح موقف جاكسون على سبيل المثال مرتعاً للمجرمين واللصوص والنشالين مع استخفافهم وعدم شعورهم بوجود دولة وحكومة وقانون ويتحمل العهد السابق مسؤولية إنتشار المخدرات وفي سبيل كسب المال ولو بطرق ملتوية شهد ذلك العهد عمليات غسيل الأموال والتجارة في المخدرات وضبطت عدة حاويات مليئة بالمخدرات وتم التعتيم عليها والتستر على من يقفون خلفها وظهرت كثير من الممارسات السيئة في شارع النيل الذي كان الجلوس فيه يمتد حتى الساعات الأولى من الصباح بجانب ما كان يحدث في كولمبيا … والآن في ظل هذه التحديات الإقتصادية والمعيشية والأمنية فأن الضرورة الوطنية تقتضي الجلوس في مائدة مستديرة يدور فيها حوار صريح جهير حول كيفية إنتشال الوطن من وهدته والقضاء على الأزمة التي يشهدها الآن مع ضرورة إيقاف الصراعات الحادة والمظاهرات وتبادل الضرب تحت الحزام … وفي الحلقة القادمة أقف وقفة متأنية مع المهنيين ومسيرتهم وإتجاه بوصلتهم والضرورة القصوى تقتضي إيلاء الشباب من الجنسين أقصى درجات الإهتمام ومن الأحجاف أن تتعامل معهم بعض الأطراف كانهم حائط صد ودرقة يحتمعون بها ودروع بشرية لهم وسلالم يتخذونها وسيلة للصعود على أكتافهم وتحقيق أهدافهم عبرهم وعلى الطرف الآخر المتمثل في مجلس السيادة بعسكرييه ومدنييه أن يدرك أن الشباب هم رقم صعب في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه وهم يمثلون مركز ثقل وعمود فقري والواجب يتطلب الجلوس معهم في حوار صريح والتفاصيل الدقيقة المتعلقة بالشباب أتركها للحلقة القادمة .
صحيفة الانتباهة