مقالات متنوعة

نبض للوطن: سقف العشم المثقوب

في كثير من الأحيان أراجع أرشيفي يختلط علي الأمر ولا أدري في أي الحقب كنتُ أكتب ،عن نظام “الإنقاذ” ، أم حكومة حمدوك الأولى أم الثانية ، أم حكومة ما بعد انقلاب 25 اكتوبر، وذلك من فرط التشابه بين ممارسات النخب السياسية والأنظمة التي تأتي لحكم البلاد، ولذلك لم اهتدِ ولم أعرف عمن كنتُ أكتب إلا بعد الرجوع إلى تاريخ المقال ،فكل من نتوسم فيه الخير ونتعشم في أن يسعى لتحقيق رفاهية الشعب السوداني وإنقاذ البلاد من الأوحال إلى حيث التحليق في آفاق المستقبل نجد (أزرط) وأضل..

المقال أدناه تم نشره يوم 19 – 06 – 2016، فأين نُساق؟ وإلى أي بر نرسو… وحتى أكون دقيقاً لن أقول ما اشبه الليلة بالبارحة.. فإلى المقال الذي مضت عليه ست سنوات:

الحكومة تعلن وتتعهد وتلتزم بتوفير مياه الشرب لكل الناس خلال شهر رمضان وتصرخ: “إن شاء الله لن تكون هناك قطوعات مياه أو كهرباء خلال شهر رمضان” والشهر الفضيل ينقضي نصفه والناس في العشرة مربع 12 وجبرة مربع 15 وفي المهندسين وأطراف العاصمة وفي كثير من الولايات تلهث وتأكل الثرى من العطش.. حاجة غريبة جدا أن يرى النظام أن طموح شعب عظيم مثل الشعب السوداني ينحصر في شربة ماء حتى ولو “عكران” أو ملوث، المهم أن الحكومة ستتكرم وتجود على الناس بتوفر مياه للشرب في شهر رمضان، والمدهش أن تطل علينا “الدولة” لتبشرنا بألا قطوعات مياه أو كهرباء في شهر رمضان، تطلق هذه البشارة وكأنها اكتشفت الذرة لأول مرة، أو كأنها فعلت ما عجز عن فعله الأولين والآخرين..

انظروا إلى هذه الحكومة التي لا تستحي ولا يندي جبينها أبداً تأتي لتبشر الناس بتوفير خدمة المياه التي هي أصلاً تعد من أبسط الخدمات التي تقدمها أفقر دولة في العالم لرعاياها سواء كان في رمضان أو شوال، ورغم ذلك لا تنجز وعداً ولا تلتزم بتعهد.

إنهم يخلقون الأزمة ويصعدونها إلى أن تصل منتهاها ليكون حلها “بشارة” وإنجازاً عظيماً مثل القصة المأثورة التي تقول إن شخصاً شكا لأحد الحكماء بأن زوجته تنكد عليه بسبب ضيق الغرفة التي لم تعد تسعها وزوجها والأولاد، فأرشده الحكيم بأن يشتري حماراً ويضعه معهم في ذات الغرفة الضيقة، ففعل وأتى في اليوم التالي للحكيم فسأله الأخير فأجاب صاحبنا أن الحال ازداد سوءاً، فطلب منه أن يشتري خروفاً ويضعه معهم في الغرفة، ففعل وجاء في اليوم التالي يشكو الكرب الذي تعاظم واستحكمت حلقاته، فأمره أن يشتري ديكاً ويضعه معهم في الغرفة ففعل والحال بلغ بأهل الدار قمة السوء والضيق، وبعدها طلب منه أن يخرج الحمار ففعل، ولما سأله كيف الحال أصبح عندكم، فقال صاحبنا والله يا مولانا بعد طلعنا الحمار الحال شوية بقى أحسن، ثم طلب منه إخراج الخروف، فالديك، وفي كل مرة يحدث انفراج أكبر للوضع، ولما أخرج كل “الأجسام الغريبة ” بدا الأمر مقبولاً جداً للزوجة وأبنائها وبهذا اعتبروا أن أزمة الضيق حلت تماماً..

هكذا هي الإنقاذ منذ أن أقبلت على حكم البلاد تخلق الأزمات بمعنى أنها تضع في غرفنا الحمير والخرفان والديوك حتى إذا بلغ عندنا الضيق مبلغاً لا يطاق أسرع النظام بإخراج حيواناتنا الأليفة من الغرف ليشعرنا بأنه حل الأزمة تماماً وله أن يتبختر ويبشرنا بهذا الإنحاز، لهذا ترانا نقف دائماً عند حد إخراج الحمير من غرفة النوم وهكذا تصنع الإنقاذ لطموحنا حدوداً متواضعة جداً مثل العشم في توفير جرعة ماء في نهار رمضان لنفطر عليها عند مغيب الشمس، ورغم كل هذه الضجة والوعود الجوفاء تفشل في الإيفاء بتوفير جرعة ماء لكل مواطن.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

أحمد يوسف التاي
صحيفة الالانتباهة