مقالات متنوعة

شاكر رابح يكتب: لا للانتخابات المبكرة

“رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب, بل في وعي الناس”. جان جاك روسو

منذ قديم الزمان كانت هناك استحالة لمشاركة الجميع في اتخاذ القرار إلا عبر ممارسة ديمقراطية مباشرة والتي بمُقتضاها تتم مُشاركة جميع المواطنين، لذلك ظهر مفهوم “التمثيل” وهو قيام المواطن بانتخاب ممثلين لهم في المجلس القومي او المجالس الولائية والمحلية, ومع تبلور هذا المفهوم أصبح بالضرورة وضع آليات وإجراءات يمكن عبرها انتخاب النواب ولم تصل المجتمعات الى هذا المستوى إلا بعد اجتهادات ونضالات سياسية كبيرة، وقديماً لم يكن حق التصويت متاحاً للجميع وكان ذلك مقيداً بعدد من الاشتراطات المتعسفة, منها «الثراء», ارتبط الحق في التصويت بأن تملك نصاباً مُعيّناً من المال والأرض, وشرطاً آخر أن يكون الإنسان نال قسطاً من التعليم وكان ذلك في الدستور الأمريكي، وكان المبرر أن يصوت من يستطيع التعبير عن مصالح الشعب وحمايتها، اعتقد في عصرنا هذا ازدادت أهمية الانتخابات بوصفها التعبير الإجرائي عن مفهوم التمثيل، فالانتخابات هي ترجمة وتحويل صوت الناخب إلى مقاعد في البرلمان وهذه العملية مُعقّدة للغاية وتوقف على طريقة إجراء الانتخابات نفسها, لأن الطريقة التقليدية «الدوائر الجغرافية» تمنح الأحزاب الطائفية والتقليدية نسبة أكبر, أما نظام «التمثيل النسبي» أو القائمة النسبية تعطي الأحزاب الصغيرة نسبة في دخول البرلمان بناءً على نسبة «الحسم» وهي 1% من جملة الناخبين, والسؤال الذي يطرح نفسه هل الاحزاب السياسية السودانية جاهزة لخوض الانتخابات باعتبارها قوام المنافسة الانتخابية؟ وهذا السؤال يقودنا لتساؤلات عدة عن مدى شرعية الانتخابات حال قيامها في هذه الظروف التي يمر بها الشعب السوداني، ولن تتحقق الشرعية إلا عن طريق احترام وتطبيق القانون عبر اعتبارات عدة منها:

– تنشيط الأحزاب بمعنى إتاحة الفرصة للأحزاب بممارسة العمل التنظيمي في كافة ولايات السودان دُون قيد أو شرط والالتقاء مع المواطنين.

– تشجيع المُشاركة للجميع بحيث تكون العملية الإجرائية مرنة وغير مُعقّدة.

– تشكل لجان قاعدية مستقلة ومحايدة.

– إشاعة الحرية والعدالة الانتخابية بحيث يسمح النظام الانتخابي بتمثيل للأحزاب الصغيرة بتقليل نسبة الحسم 1% بمعنى تقسم عدد الاصوات التي نالها الحزب على عدد الناخبين في الدائرة المعنية مقسومة على عدد أعضاء البرلمان.

هذه الاشتراطات لا شك سوف ينتج عنه برلمان قوي يعبر عن المواطن ويشمل جناحي العملية السياسية للحكومة والمُعارضة وبذلك يكون قادراً على المُحاسبة والرقابة والتشريع.

لذلك, أعتقد جازماً أنّ الظروف السياسية التي يعيشها السودان الآن غير مواتية لقيام انتخابات لا مبكرة ولا حتى عقب انتهاء الفترة الانتقالية الحالية وفقاً للوثيقة الدستورية التي لم يتبقَ لها الكثير من الوقت، في ظل احتقان سياسي غير مسبوق، ونسبة لعدم وجود أي بوادر لمُصالحة سياسية شاملة وإمعان كافة أطراف العملية السياسية في خصومة ومشاكسة وصراعات وانفلات أمني وظروف اقتصادية ضاغطة، وعدم التوافق حتى الآن على القوانين المنظمة لها، وتنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في جوبا إضافةً إلى عدم توافر المطلوبات والاستحقاقات يجعل قيامها شبه مستحيل، ولا يختلف اثنان في ان عدم جاهزية القوى السياسية ولعدم جود دستور توافقي وقانون منظم للانتخابات ولجنة مستقلة وتعداد سكاني وعودة النازحين واللاجئين الى قراهم أو مشاركتهم في العملية الانتخابية كالذي يحرث في البحر.

وزعمنا هذا يؤكده الحوار الذي أجرته (فايننشال تايمز) مع رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبد الله حمدوك والذي اكد فيه بوضوح أن (القوى السياسية غير جاهزة للانتخابات, بل غير جاهزة للحكم من اساسه وتعاني من نقص حاد في الخبرة والكوادر والتنظيم والمؤسسية والرؤية, ولا تريد أن تعترف بذلك لتعالجه، القوات المسلحة مع انها مؤسسة عسكرية إلا أنها تتفوق على القوى السياسية في الخبرة السياسية والحكم وتسيير شؤون البلاد بعدد من السنين الضوئية, فمن أصل 65 سنة هي عمر الدولة السودانية, الجيش حكم 52 سنة, بينما القوى السياسية حكمت جزءاً من 13 سنة تخللتها فترات انتقالية 80% هي خبرة الجيش, بينما خبرة القوى السياسية 10% بذلك لا استغرب التخبط والضعف الاداري والفشل السياسي الذي صاحب حكم أحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير).

اتفق مع دكتور «حمدوك» في أن إجراء الانتخابات يحتاج الى وعي سياسي واجتماعي مجتمعي وإجراء الانتخابات لا يكفي وحده لتحقيق الديمقراطية، إنّما هي مظهرٌ من مظاهر المشاركة السياسية في النظام الديمقراطي.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

صحيفة الصيحة