سراج الدين مصطفى يكتب..أبو عركي البخيت .. (نموذجي الطيب)!!
لا أدري كم هي عدد السنين التي غاب فيها أبو عركي البخيت عن معانقة جمهوره المتعطش لسماعه .. وهي بالطبع سنين ليست قليلة ربما تجاوزت العشرين عاماً .. وهي فترة زمنية طويلة جداً أن يغيب فنان عن الغناء في المسارح المفتوحة أو في أجهزة الإعلام كلها المسموع منها والمرئي والمقروء .. ولكن الغرابة تكمن في أن يغيب فنان كل هذه المدة ويظل حاضراً بكل عنفوانه وجماله .. لم يغب أبو عركي البخيت لحظة واحدة عن وجدان الشعب السوداني .. وهذا الحضور المدهش لا يتأتى لفنان عادي .. وهذا تأكيد على الصدقية العالية التي تكتنف تجربة أبو عركي الإنسان والفنان.
ليس من بين قائمة أغنيات أبو عركي أغنية عادية أو مستسهله من حيث فكرتها الشعرية واللحنية .. كل أغنية عنده ذات قيم جمالية خاصة .. وهذه القيم التي تعتلي ملامح تجربة أبو عركي تتوزع ما بين الصدق والشفافية والوقوف على المبادئ والانحياز للانسان السوداني .. وفنان بهذه المبادئ والمواقف من المستحيل أن يغيب عن الناس مهما غاب صوته وانحسر عن أجهزة الإعلام .. وليس مهماً أن يطل عبر الإذاعة أو التلفزيون أو اي وسيط إعلامي آخر .. لأنه اختار لنفسه بضاعة ليست سريعة التلف .. بضاعة تكمن فيها كل عوامل البقاء والخلود.
أبوعركي البخيت ..اسم يتمدد على مساحة طاغية من الإبهار والإدهاش ،فهو يمثل رمزاً للمغايرة والاستحداث والتفكير الغنائي والموسيقي الجديد ..وأبوعركي فنان يحكي عن قيمة الفنان والإنسان .. رجل بمواصفات خاصة .. لا يعرف المساومة في المواقف .. ظل صامدا وواقفا على المبادئ ورغم أنها خصمت منه الكثير ولكنها في ذات الوقت أكسبته أكثر .. فأصبح عند الناس أجمعين هو النموذج الحقيقي للفنان الرسالي .. الفنان الإنسان ..
لذلك حينما أعاين لهذا العشق الجارف لأبوعركي .. لا استغرب أو استعجب أو أندهش .. فالتفاسير واضحة كالشمس في رابعة النهار .. ولعل عركي قدم نموذجاً فنياً لكل الأجيال الجديدة أن تستلهم منه معنى البقاء والخلود في أذهان الناس .. ومن يراهن على الصدق والإنسان لن يخسر .. وأبوعركي كسب الرهان .. وجعلنا نكتشف بأننا قصار النظر ومحدودو الشوف حينما رفضنا أن يقاطع الأجهزة الإعلامية ولا يتركها لمن هم أقل قامةً وعطاءً .. ولكن كانت للرجل رؤيته التي لم نقدرها واكتشفنا أخيراً بأنه على حق.
غياب أبوعركي وغيره من الفنانين أصحاب المشاريع الجادة كان سبباً في ظهور تجارب غنائية باهتة ومسيخة ساهمت في تدمير وتخريب الذوق السوداني بفنانين على شاكلة أحمد البنا وقرقوري والعديد من الأصوات التي ولدت ميتة والتي وجدت الساحة الغنائية خالية فانداحت في الجسد مثل السرطان ..
وبعيداً عن الغناء الذي يمتلك أجمل وأوسم أدواته ..يظل الفنان الكبير أبوعركي البخيت واحدا من أكثر الفنانين صدقاً في هذه الحياة ..فهو واضح وفي منتهى الشفافية والرقة .. أبوعركي يعتبر حالة إنسانية خاصة جداً يتميز بصفات يندر وجودها في الوسط .. ومن يعرفونه عن قرب يدركون القيمة الإنسانية العالية لهذا الفنان الجميل الذي لا يشبه سوى غنائيته الساحرة.
كلمة اخيرة:
نسأل الله ان يعود ابوعركي البخيت .. ففي عودته تتمثل معاني التغيير والتجديد .. وهو الذي يمثل النموذج الملهم للثورة التي قادها عبر ادواته التعبيرية من شعر وموسيقى وغناء .. ولعلي اقول للاجيال الجديدة اذا ارادت البقاء في الوجدان والذاكرة الجمعية ان تجعل من ابوعركي(النموذج الطيب) لذلك.
صحيفة الصيحة