مقالات متنوعة

سمية سيد تكتب.. الدولة المافيا

أدانت محكمة جنايات الخرطوم شمال، أمس، المتهم محمد صديق بالحكم بالمادة 179 ارتداد شيك لشركة كوفتي .

بحسب الخبر المنشور أن طلباً تقدم به ممثل الدفاع عن المتهم عادل عبد الغني لهيئة المحكمة اعتبار الفترة التي قضاها المتهم فترة للعقوبة. وأضاف.. أن المتهم شاب، وأنه متزوج وله أطفال، والده متوفى ويعول الأسرة. وقررت المحكمة أن الفترة التي قضاها المتهم والتي تصل لمدة عام كافية إن لم يكن مطلوباً على ذمة قضايا أخرى. كما قررت المحكمة تحصيل المبلغ عبر الطريق المدني.

القانون يعد المادة 179 ارتداد الشيك قضية جنائية. تبقي مرتكبها بالسجن لحين السداد، وخلال العشرين سنة الماضية كان الجدل القانوني قائماً؛ لجهة تغيير القانون. وكان الرفض هو المنتصر؛ بأن تصبح قضايا الشيكات مدنية، كما هو الحال في تحرير الكمبيالات.

لذلك من الصعب قبول تبريرات حيثيات الحكم المعتمدة على الجانب الإنساني والأسري للمتهم في قضية شغلت الرأي العام أكثر من عام.

لكن الأهم من كل ذلك هو البحث عن إجابة لعدد من الأسئلة :

هل بهذا الحكم أسدل الستار وطويت ملفات هذه القضية؟

وهل ملف القضية ينحصر فقط في مجرد شيك مرتد. بغض النظر عن كبر المبلغ (أكثر من 26 ترليون جنيه) ؟

من الجاني ومن البريء ؟ من الظالم ومن المظلوم ؟ من الذي نهب الأموال ؟

في اعتقادي أن هذه القضية المعروفة بقضية كوفتي تمس كل مؤسسات الدولة.. الأمنية والاقتصادية والسياسية .

الكل متهم وليس هناك بريء، سوى المواطن المغلوب على أمره .

شاب عشريني من غمار الشعب يحرر شيكات بمبلغ 26 ترليون و440 مليون جنيه لشركة من كبريات الشركات في السودان.

الشركة هذه تثق في الشاب الذي لا يمتلك شركة ولا اسم عمل تجاري ولا مقر معروف، مجرد وسيط، أي سمسار بين الشركة وتجار العملة، يتحصل على عمولته من الطرفين. لكن الشركة تتعامل معه بمبالغ بمثل هذا الحجم.

وأنا أقرأ محاضر الجلسات المبذولة على قارعة الأسافير. لا أجد أمامي غير حيثيات للدولة الجهنمية التي يحركها السوق الأسود. لذلك كان سؤالي الأول؛ إذا ماكان قرار المحكمة هو نهاية القضية. بأن تستعوض الشركة ربنا في متابعة القضية مدنياً. ويذهب محمد صديق بطل القصة إلى منزل أسرته قرير العين هانيها.

القضية أكبر من ذلك بكثير.

القضية قضية بلاد بلا حكومة، غاب عنها القانون وغابت عنها المؤسسات. وأصبحت تتحكم فيها مافيا تجارة العملة وسماسرة السوق السوداء.

القضية التي فضحت الجميع وراءها نافذون لم تطالهم يد العدالة…

أين مسؤول المجلس السيادي الذي ظهرت معلومات حوله أثناء جلسات المحكمة..(فص ملح وداب).

المبالغ التي تم شراؤها من السوق الأسود وهي أكثر من 300 مليون دولار لدفعها للأمريكان في تعويضات سفارتي نيروبي ودار السلام، والتي جاء الحديث حولها أثناء جلسات المحكمة أيضاً؛ لم تظهر في قرار القاضي وهو يصدر الحكم النهائي..لم يظهر من هم المتورطون .

القضية بها تعاملات بالعملة الحرة خارج النوافذ الرسمية. وبها تحويلات بنكية..تصدير سلع وتعاملات في مجال الذهب ..كل ذلك تم اختصاره في قضية تحت المادة 179 شيك مرتد، وحتى هذه خرج منها المتهم كالشعرة من العجين.

الآن نحن أمام دولة يسوقها المضاربون في العملة في وضح النهار وبعلم ومشاركة نافذين في الحكومة.

هل عرفتم لماذا فشلت البنوك في جذب تحويلات المغتربين؟ ولماذا ظلت الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي ؟ ولماذا يلجأ الناس خاصة في الولايات والأرياف لدفن أموالهم تحت الأرض أو عند العمد والمشايخ..ولماذا بنوكنا متخلفة وبعيدة عن الحوكمة والشفافية ، والتطور في التقنية المصرفية.

نعم خرج محمد صديق المتهم في قضية كوفتي بأقل الخسائر المادية بفضل دفاع المحامي الشهير عادل عبد الغني، لكن الكل خاسر أمام الرأي العام .

الشاب المتهم خسر أمام محكمة الرأي العام، وأيضاً خسرت شركة كوفتي المال والصورة.

وخسرت الدولة سمعة مؤسساتها، وأول الخاسرين هو بنك السودان المركزي الذي فشل في سن تشريعات وسياسات لاستقرار سعر الصرف لوقف مثل هذه الفوضى.

صحيفة اليوم التالي