مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب.. حينما كان الغناء على طريقة (تهادوا تحابوا)!!

(1)

يأتي اللحن في الموسيقى السودانية في كثير من الأحوال معبراً عن إيقاع مفردات النص الشعري للموسيقى، بمعنى أن الأشكال الإيقاعية للحن هي الأشكال الإيقاعية لمفردات النص الشعري ذاتها.. ويشكل الملحن أحد أعمدة ثالوث الأغنية السودانية، إلى جانب كل من الشاعر والمطرب. وهناك من جمع بين وظيفة المطرب والملحن مثل كرومة وسرور وزنقار والسني الضي «ثنائي العاصمة».

(2)

ومنهم من جمع بين وظيفة الشاعر والملحن مثل عمر البنا وخليل فرح أو من جمع بين الوظائف الثلاثة مثل عبد الكريم الكابلي. وأحياناً يقوم المطرب الذي أعدّ لحناً لأغنية بمنح اللحن والأغنية إلى مطرب آخر ليقدمها هذا الأخير باسمه كما في حالة أغنية جبل مرة التي لحّنها عبد الكريم وتغنّى بها أبو عركي البخيت، إضافةً إلى كون كبار المُطربين السودانيين، من أمثال محمد وردي ومحمد الأمين وعبد الكريم الكابلي وصلاح بن البادية، كانوا أيضاً يمارسون التلحين لأنفسهم ويهبون غيرهم من المطربين الواعدين.. وذلك كان فيما مضى من زمان زاهر وناضر.

(3)

التردي المريع الذي تشهده الساحة الفنية وفي كافة مناحيها هو أكبر دليل على تفسير الرغبة الجامحة في الحنين للماضي .. أصبحنا لا نتطلّع للمستقبل لأنه يبدو قاتماً ولا يُبشِّر بومضة أمل .. لذلك من البديهي تجدنا نشتاق للماضي بكل تفاصيله حتى ولو كانت مُؤلمة لأنّها بكل تأكيد أجمل من بعض الأيام الآتية.

ذلك ليس إحساسي وحدي ولكنه شعور الناس أجمعين .. وما تشهده الساحة الغنائية من عقم واضح يؤكد بجلاء محنتنا الراهنة .. وليس أدل من ذلك ما ظل يصرح به المدعو (أمجد حمزة) الذي تؤكد أغنياته أنه واحد من الذين نشروا الغناء الذي ينتمي للفراغ العريض .. وهو يخرج للناس أغنيات أقرب للسموم التي تصعب مكافحتها.

(4)

في ذلك الزمن الجميل الذي كان خالياً من أمثال أمجد حمزة كان الغناء يمشي بين الفنانين على طريقة (تهادوا تحابوا) .. ولن يفوت على ذاكرتنا الجمعية أغنية (مشتاقين) التي صاغها شعراً الشاعر الراحل اسماعيل حسن وقام بتلحينها الموسيقار محمد وردي الذي قال ان الأغنية تشبه الفنان الواعد حينها (عثمان مصطفى) فلم يتوان في أن يقدمها له كهدية حتى تكون دافعاً ليصبح رقماً صحيحاً في الغناء السوداني .. فكانت أغنية مشتاقين بكل جمالها من حيث المفردة واللحن دافعاً لعثمان مصطفى الذي أصبح فيما بعد فناناً كبيراً حتى إن الموسيقار المصري العظيم وصف صوته بأنه صوت شاسع كالصحراء وعميق في البحر.

(5)

الفنان الكبير الراحل عبد الكريم الكابلي هو الآخر قدم للراحل عبد العزيز محمد داؤود أغنية (يا زاهية) والتي تعتبر من أجمل ما تغنى به أبو داؤود .. الكابلي أيضاً أهدى أبو عركي البخيت من كلماته وألحانه أغنية (جبل مرة) .. وأبو عركي كان محظوظاً وهو يظفر بأغنية ثمينة من ألحان محمد الأمين هي أغنية (طريق الماضي).

(6)

محمد وردي لم يتوقف عند أغنية (مشتاقين) لعثمان مصطفى، بل قام بتلحين أغنية (أيامك) وأهداها للفنان الكبير صلاح بن البادية وهي تعتبر من الأغنيات الكبار في مسيرة صلاح بن البادية .. وود البادية نفسه قدم للفنان الأمين عبد الغفار أغنية (حُب الناس يحبوك) فكانت أغنية واضحة وذات تأثير في مسيرة الأمين عبد الغفار ودفعت به لصفوف الأمامية من المطربين الكبار.

(7)

أغنية همس الشوق التي كتبها هاشم صديق وتغنى بها الموسيقار محمد الأمين قد لا يعلم البعض أن شرحبيل أحمد قام بتلحينها قبل محمد الأمين .. ولكن حينما علم شرحبيل بلحن محمد الأمين تنازل عنها وقال ان لحن محمد الأمين يتناسب مع مفردات الأغنية وقامت زوجته زكية بكتابة كلمات جديدة للأغنية باسم (يا ليل).

(8)

النماذج كثيرة لا حصر لها ولا عدد وكلها تؤكد على عافية الغناء في ذلك الزمن وتجيب على سؤال عن السر الذي أبقى تلك الأغنيات وغيرها في ذاكرة الناس حتى الآن..تلك النفوس الطيبة أفرزت الغناء الطيب ولكن أمثال أمجد حمزة لا يدركون مثل تلك القيم فهي غائبة عن ضمائرهم التي تلهث وتبحث عن المَال ولا شئ غير المال، لذلك من البديهي أن ترتفع درجة الحرارة والأسعار وتكون القيامة (قربت)!!

صحيفة الصيحة