المحروقات .. تشاكس ما بين القطاع العام والخاص من المستفيد؟
شركات تمول من كبار تجار العملة للتجارة في المواد البترولية!!
غرفة النقل البحر الأحمر: الوقود أصبح في أيدي التجار وهم يتلاعبون في سوق المنافسة الحرة
خبير اقتصادي: ينبغي أن تتبع جميع المشتقات البترولية للمؤسسة السودانية للنفط
يبدو أن أزمة الوقود وعدم استقرار الأسعار من أكبر الهواجس التي تواجه المواطنين، ويرجع ذلك إلى عدم قدرة الحكومة على تنظيم قطاع استيراد الوقود، مما جعل هناك عدم استقرار في الأسعار عبر نافذة موحدة، الأمر الذي أدى إلى انفلات أسعار الوقود من فترة إلى أخرى، وبحسب آراء بعض المراقبين إن هناك تضارباً بين الشركات التابعة للقطاع الخاص والقطاع العام في استيراد الوقود من الخارج، وأصبحت سلعة الوقود تدار بعقلية الربح والخسارة في سوق المنافسة الحرة للمواد البترولة بعد تحرير المحروقات من قبل الحكومة، ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب، وإنما وجد تجار العملة ملاذاً لهم في الدخول إلى سوق استيراد الوقود في الآونة الأخيرة.
في وقت تحصلت (اليوم التالي) على خطابات من جهات حكومية وخاصة طالبت الجهات المعنية باحتكار استيراد الوقود، ومنع القطاع الخاص من استيراد الوقود وفقاً لقرار سابق بالرقم (602) الصادر من رئاسة الجمهورية في العام 2015 بحجة أن أسعاره أقل من شركات التوزيع، وعلمت (اليوم التالي) أن الخطاب تم تسليمه لوزارة الطاقة والنفط وصورة منه سلمت لمكتب رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالب الخطاب بمنع القطاع الخاص وعدم السماح له باستيراد احتياجاته من المواد البترولية بحجة أن هذه الشركات توزع وقودها على محطات الخدمة المعنية بأسعار أقل من شركات التوزيع، واعتبرت أن هذه الخطوة تخالف ضوابط ولوائح المؤسسة السودانية للنفط لعدم حساب تكلفة التشغيل ومعدلات الإستهلاك للأصول، الأمر الذي تضررت منه المجموعة الحكومية والمجموعة الخاصة المسؤولتان عن استيراد الوقود، وقال الخطاب نحن في المجموعة الخاصة والحكومية نفيدكم بأن القرار صدر في فترة دعم المنتجات البترولية، وبناءً عليه تم السماح باستيراد المواد البترولية لصالح القطاع الصناعي وقطاع التعدين، ونوه الخطاب إلى أنه بعد تحرير الوقود أصبحت شركات التوزيع تقوم باستيراد المنتجات البترولية لتلبية احتياجاتها واحتياجات القطاع الصناعي والتعدين، وأضاف الخطاب بناءً عليه نطلب من سيادتكم إلغاء القرار بالرقم (602) وقصر التعامل فقط مع شركات توزيع المنتجات البترولية المسجلة لدى وزارة الطاقة.
فيما حذر مسؤولون بقطاع النفط من خطورة تداعيات إلغاء القرار رقم (602) لجهة أن القطاع الخاص يستورد ما لا يقل عن (50)% من احتياجات السوق السوداني بما يشمل المصانع، التعدين، الزراعة، وكل الجهات الاستثمارية الكبرى، ونوهوا إلى أن إلغاء القرار سيؤدي إلى ندرة الوقود واتجاه حوالي (50)% من الجهات المستهلكة للضغط على محطات الخدمة وتأثر شرائح أخرى مهمة ومحركة للاقتصاد من تبعات إلغاء القرار خاصة وأن القطاع الخاص له موارده الذاتية التي يستورد منها بمعزل عن الحكومة، وأكد مسؤولون بقطاع النفط أن أي تعديل في ضوابط ولوائح الاستيراد على ضوء القرار (602) يكون الغرض منه إضعاف الدولة وخلق ندرة واحتكار وقلة استيراد الوقود، ما يعني زيادة الأسعار بصورة لن يكون لها رادع.
اختلف الوضع
فيما قال مسؤول في قطاع النفط إنه في مرحلة من المراحل الماضية كانت الحكومة تعمل على توفير الوقود المدعوم للقطاع الإنتاجي بشكل عام، وأضاف في العام 2016 منعت الحكومة الجهات التجارية من مدها بالوقود بالسعر المدعوم ولكن سمحت لها باستيراد الوقود لتلبية احتياجاتها، وأفاد في تصريح لـ(اليوم التالي) الآن اختلف الوضع وتطورت السياسات بعد أن أصبح تحرير أسعار الوقود أمراً واقعياً، ونوه إلى أن الالتفات إلى بعض التجار الذين يحتكرون استيراد الوقود أمر مهم للغاية، ولفت إلى أن تلك الشركات مدارة عبر نافذين وتجار كبار وبالتالي الأمر ساهم في تحريك سعر الصرف مؤخراً، وقال من المفترض على الشركات الكبرى العاملة في استيراد الوقود أن توزع الوقود لكل القطاعات، معيباً على التجار عدم دفع القيمة المضافة طيلة الفترة الماضية.
التطورات السالبة
وقال وزير النفط بحسب المصدر المسؤول، أصبح التجار يدفعون رسوم القيمة المضافة مؤخراً بعد إرغامهم عليها، مشيراً إلى التجار الذين يعملون في استيراد الوقود خصماً على القطاع العريض الذي يضم العديد من الشركات التي تعمل في الاستيراد والتي لا تقل عن الـ(33) شركة عبر مؤهلات وإمكانات المنافسة في سوق النفط الحر، وأكد أنها مسجلة في المؤسسة السودانية للنفط، وأكد المصدر المسؤول أنهم يدعمون إلغاء القرار رقم (602) الذي سمح للشركات باستيراد الوقود في السابق نسبة للتطورات السالبة التي يشهدها القطاع.
راهن التشوه
وفي ذات المنحى كشف ذات المصدر عن تمويل تتلقاه شركات من قبل كبار تجار العملة للتجارة في المواد البترولية مما أدى ذلك إلى حالة التشهوه التي يشهدها سوق العملات، وفي نفس الوقت تساءل المصدر لماذا تعفى تلك الشركات من الجمارك والضرائب؟ فضلاًعن أنها لا تملك مشاريع استثمارية بل تعمل على إشباع مصالحها فقط.
توقف البيع
يقول أحد المناديب في شركات الوقود فضّل عدم ذكر اسمه، إن شركات الوقود الكبرى في البلاد بشائر والنيل وقادرة لها القدرة على الاستمرار في استيراد الوقود وتوزيعه، وأكد في حديثه لـ(اليوم التالي) أنه في السابق كانت مؤسسة النفط السودانية توزع حصة الوقود لكل الولايات وبحسابات التكلفة المعروفة، وقال الآن تراجع عمل المؤسسة، وقطع في حديثه أمس للصحيفة، توقف البيع من قبل الشركات للمحطات، كاشفاً عن وصول سعر اللتر للجازولين ما بين (460) إلى (470) جنيهاً.
انهيار قطاع النقل
في وقت أفاد فيه مصدر رفيع من غرفة نقل البترول بالبحر الأحمر لـ(اليوم التالي) عن أن سلعة الوقود أصبحت في أيدي التجار وبالتالي هم الذين يستوردون الوقود ويتلاعبون في سوق المنافسة الحرة للمواد البترولية، كما نفى التزام الشركات العاملة في الاستيراد للوقود بالعمل وفق النظم واللوائح التي أقرتها الدولة، ونوه إلى أن واقع استيراد الوقود أصبح مخيفاً جداً، وأضاف المصدر أن سعر برميل الجازولين محلياً بلغ (100) ألف جنيه، مشيراً إلى أن سعر البرميل أغلى من السعر العالمي، ولفت إلى أن تكلفة التشغيل أصبحت عالية جداً في ظل تراجع وارد البضائع إلى البلاد، الأمر الذي أضعف حركة النقل، وتوقع المصدر انهيار قطاع النقل بسبب ارتفاع أسعار النفط مؤخراً.
مؤسسة النفط
فيما طالب الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي، تحديد رؤية إصلاحية شاملة تطبقها حكومة وليست حكومة تصريف أعمال مكبلة تشريعياً بغية إعادة سيطرة الحكومة رقابياً على سوق المشتقات بعد فتح باب استيراد النفط أمام القطاع التجاري، وأقر بأنه كان للتعويم انعكاسات سلبية على سوق الوقود وانهيار قيمة الجنيه السوداني، ودعا في تصريح لـ(اليوم التالي) إلى أن يكون للمؤسسة السودانية للنفط دور في شراء المشتقات النفطية لتغطية احتياجات السوق المحلية من قبل الشركات والتجار المؤهلين والمعتمدين وفقاً للآلية ويتم اعتمادها من جميع الأطراف، وقال يبنغي أن تكون جميع المشتقات البترولية تابعة للمؤسسة السودانية للنفط فور اكتمال تفريغها في الخزانات والمستودعات الحكومية، وتابع لا يحق التصرف فيها أو توزيعها إلا من خلال الحكومة مما يضمن توفير المشتقات وتوحيد أسعارها في السوق، وإدارة توفير العملة الأجنبية الخاصة باستيرادها دون أي أثر سلبي على سعر العملة الوطنية، كما أمّن على ضرورة تنظيم سوق المشتقات النفطية وتوحيد أسعارها ومنع المضاربة بالعملات في سوق الصرف التي يحدثها مستورد النفط بجانب تخفيف المضاربة بالعملات الأجنبية وتخفيف الطلب على النقد الأجنبي عن طريق تنظيم الطلب عبر البنك المركزي.
مزيد من الشروط
يؤكد د.هيثم أنه يمكن تحقيق إيرادات لمؤسسة النفط السودانية نتيجة لقيامها بتوزيع وتنظيم بيع وشراء المشتقات النفطية محلياً وأيضاً تنظيم استيرادها، مشيراً إلى أن استيراد المشتقات البترولية لا بد أن يكون فقط عبر شركات وتجار مؤهلين، كما شدد على ضرورة وضع مزيد من الشروط التي يجب أن تتوفر في هؤلاء المستوردين مما يضمن الشفافية في استيراد تلك المواد البترولية.
مختص في قطاع النفط: لا بد من التحكم في السعر النهائي للمستهلك
وقال المختص في قطاع النفط المهندس إسحق بشير جماع بخصوص احتكار استيراد الوقود واستبعاد القطاع الخاص، إن الإمدادات البترولية كانت مسؤولية الحكومة مباشرة ويتم استيرادها عبر مواردها بواسطة البنك المركزي، بجانب اتفاقيات آجلة مع بعض دول الخليج المنتجة للبترول، وأوضح أن المنتجات البترولية أي الطاقة عموماً، سلعة وسيطة في الاقتصاد ولا بد من التحكم في السعر النهائي للمستهلك وضمان احتياجات الاقتصاد فيها إذا ما أرادت الحكومة تحقيق نمو اقتصادي، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي) مع مرور الزمن زاد الاستهلاك وكذلك زادت الفجوة في الاحتياجات، وبالتالي لجأت الحكومة للاستعانة بموارد القطاع الخاص بترتيبات عائد متفق عليه، وتابع كانت العملية تحت إدارة وزارة الطاقة من استلام البواخر وتفريغها وتوزيع الوقود لمناطق الاستهلاك، وذكر من خلال تلك العملية نتجت بعض الممارسات في إدخال القطاع الخاص مباشرة في الاستيراد رغم أن السعر للمستهلك محدد بواسطة وزارة الطاقة، بالإضافة إلى بعض ممارسات القطاع الخاص في شراء الدولار من السوق الموازي، ونوه إلى أن ذلك أدى لارتفاع سعر الدولار والتضخم الذي نتج منه تحرك سعر الصرف، واعتبر أن دخول مجموعات من القطاع الخاص مؤخراً في مجال الاستيراد والتوزيع المباشر أو عبر مؤسسة النفط لا يؤدي إلى استقرار الإمدادات البترولية كماً وسعراً في الوقت الراهن، ولفت إلى أن الحل يكمن في تحريك الحكومة لبعض اتفاقيات مع الدول المنتجة للبترول لفترة متوسطة عامين، لحين يتمكن السودان من وضع إستراتيجية للطاقة واستغلال وتطوير الموارد المتاحة، بجانب ترتيب العجز إذا وجد بالاستيراد عبر اتفاقيات آجلة لتحريك الاقتصاد وتمكينه من مقابلة الالتزامات سواء الطاقة أو المدخلات الأخرى.
الخرطوم: علي وقيع الله
صحيفة اليوم التالي