سليمان الماحي يكتب: كترانج لمن لا يعرف ارثها
سليمان الماحي
اذا وجدت نفسك واقفا يوما على الضفة الغربية للنيل الأزرق وتحديدا على شاطيء قرية (المسيد ) أو قرية ( ألتي ) ثم ترنو بنظرك بعيدا متجاوزا حركة المياه والأمواج نحو الضفة الشرقية للنيل فإنك تشاهد على الضفة الشرقية قرية كترانج التي تتوارى بين أشجار النيم الضخمة ذات الخضرة الزاهية الكثيفة لذا فإن من يراها من بعيد يحسبها معلما سياحيا وإذا اصطحبت ابن القرية محمد مصطفى إبراهيم في جولة تقف بك على معالمها تجدها قرية ذات إرث تاريخي ديني وقد حبها الله ببيئة طبيعية جذابة يحسبها الزائر تفترش الشواطئ وتتوسد الجزر بينما سكانها في توادهم وتراحمهم كحال أسرة واحدة فرحين بالنيل يسارهم وطريق الأسفلت يمينهم لكن المشاريع الاستثمارية المجاورة لهم جاءت بما لا يشتهون عندما استقطعت أراضيهم وأزعجت راحتهم وأنهكت صحتهم .
ينبغي ألا يأخذك اسم كترانج بالحيرة فالقرية بحسب ما ذكر الباحثون تستمد اسمها من ( قطر العنج ) والمقصود بالعنج هم من أسسوا مملكة الفونج لكن البروفسور عزالدين الأمين عبدالرحمن الحاصل من جامعة الخرطوم على درجة الأستاذية الممتازة كان له رأي آخر في اسم القرية التي ولد فيها وتربى في أزقتها عندما ذكر أن اسمها عبارة عن اسمين هما ( كتر ) التي تعني بالعامية السودانية كلمة ناحية أو جهة أما ( رانج ) فهو اسم لأحد ملوك الفونج الذي كان سخيا جدا مع كترانج عندما منحها حدودا تمتد من قرية المقاريت شرقا حتى حجر بنبون التي تعرف حاليا بالبنبوناب غربا ثم من النيل الأزرق جنوبا حتى حدود البطاحين شمالا وقد ضمن تلك الحدود في وثيقة أودعها دار الوثائق السودانية لمن يريد أن يذكر .
قرية كترانج التي تعد الحد الفاصل بين ولايتي الخرطوم والجزيرة هي واحدة من أقدم القرى حيث أنشئت قبل الإسلام ولعبت دورا مهما في نشره انطلاقا من مجمع خلاوي لتحفيظ القرآن الكريم وثاني أقدم مسجد في السودان كل ذلك بإشراف العلامة الشيخ الأمين عبدالرحمن ومن بعده أخيه الشيخ عليش .
ويسجل التاريخ للقرية بأحرف من نور اهتمامها المنقطع النظير بالتعليم وبخاصة تعليم البنات وقد برز ذلك بصورة واضحة من خلال جهد خاص تمثل في قيام المعلم بابكر الأمين الذي أطلق عليه ( أبو التعليم ) بفتح فصل في بيت ود الزين لكنه توقف بعد قيام المدرسة في بداية الستينات وكان أبرز المعلمين عبدالرحمن الأمين ومصطفى عبدالله وفي بدايتها استقبلت المدرسة طلابا من كل فج بعيد وقريب وقد سجل التاريخ لأهل كترانج شهامة ومروءة نادرتين عندما قاموا بفتح أبواب بيوتهم على مصراعيها لاستضافة التلاميذ القادمين من خارج القرية ثم لاحقا لجأت المدرسة لتطبيق نظام التعليم المختلط بقبول مجموعة من الطلبات مثل رشيده عمر حماد وشقيقتها سلمى وبثينة محمد عثمان وشقيقتها الزهور وخدية محمد صديق .
لا بأس ان نتذكر أولئك الرجال والنساء الذين كان لهم موطيء قدم في مسيرة قرية كترانج في ماضيها البعيد أي في الزمن الصعب فى صعيد القابلات تبرز السارة بنت محمد علي ثم جاءت بعدها حواء بنت الطاهر كأول قابلة قانونية في المنطقة .وعلى صعيد المواصلات ربطت عربة الكندة التي يقودها أبوكدوك وكانت مهمة نقل الناس الى الأسواق مثل أم ضوابان وسوق ود أبوصالح وبالنظر الى حمولتها كانت العربة تبدو أشبه بسفينة نوح وأما لوري على حسن من المحس كان يقوم بنقل الركاب إلى الخرطوم صباحا والعودة إلى القرية عصرا .
والحال كذلك بالنسبة للنقل عبر النيل فقبل مرحلة تطور الخدمة باستخدام البنطون والرفاس كانت تلك المهمة تؤديها المعدية وهي مركب خشبي يقوده الريس إبراهيم ود السرة وآخرون وقد لعبت دورا مهما في نقل الناس مع بضائعهم وحيواناتهم ذهابا وايابا بين ضفتي النيل وأدت دورا مهما في توطيد العلاقات بين كترانج وسكان القرى الواقعة في الضفة الغربية علاوة على تنشيط الحركة التجارية لأشخاص مارسوا التجارة في سوق المسيد وكان أبرزهم العم الطيب الأمين والسنجك والأمين محمد طاهر وحمد ود مصطفى وعبدالرحمن ود عمر .
واللافت في هذا الواقع الموغل في القدم أن المرأة في كترانج لم تكن بمنأى عن مسيرة القرية من خلال أداء دور بناء في تنشيط الحركة التجارية بالبيع في الدكاكين والأواني وصناعة البروش ونتذكر منهن فاطمة بنت مزمل وحاجة كلتوم . وبحثا عن حلاق القرية في الماضي نجده محمد محمد عثمان الملقب بأبوتفه وأما أول خياط ملابس كان هو بله ود فضل الله ويسجل تاريخ كترانج العم عبدالرحمن الصديق كأول صانع للأبواب والشبابيك .
صحيفة الانتباهة