شهاب الدين عبد الرازق عبد الله يكتب :حول ثقافة الديمقراطية وراهن الصراع السياسي في السودان (1)
إن الديمقراطية على تجددها وتنوع أشكالها تتفق في أنها منهج حكم يعتمد على إرادة الشعب، ويتيح تعدداً في الرؤى والخيارات، وسلطة الشعب تكتسب قيمتها الأخلاقية من مباديء المساواة والاستقلالية. والديمقراطية تجربة إنسانية ليست قاصرة على عرق أو جغرافية محددة، والدليل على ذلك أنها طبقت في اليابان وبريطانيا وأمريكا والهند وجنوب افريقيا على تنوع هذه الأعراق والجغرافية. فالديمقراطية منهج حكم وثقافة إنسانية في آن واحد، تتيج للفرد والمجتمع وبكل حرية وشفافية ومسؤولية بناء الأدوات التي تلبي وتدير احتياجاته دون إكراه أو عنف أو وصاية.
وتختلف قيم وموجهات وأنماط السلوك الديمقراطي باختلاف ثقافة وبيئة كل مجتمع، لكنها تتفق في أغلبها على قيم الحرية، والمساواة والتعددية، والمواطنة، والمشاركة، والتضامن، والحوار والذي بدوره لن يكون حواراً مفيداً إلا إذا قام على أسس الاحترام والصدق والشفافية والتآلف.
إن المبادئ التي تؤسس للديمقراطية من فصل للسلطات الثلاث إلى سيادة حكم القانون إلى حكم الأغلبية الذي يحترم حقوق الاقليات استناداً على مبدأ ديمقراطي أصيل وهو احترام حقوق الإنسان، وحقه في انتخابات حرة نزيهة، وكفالة حرياته من حرية التعبير والتجمع والتنظيم وغيرها من الحقوق التي تشكل الضامن لحقوق الأفراد، فلا ديمقراطية دون احترام حقوق الأقليات، مرورا بحق التمثيل والانتخاب، والالتزام بالتداول السلمي للسلطة. هذه المبادئ الحاكمة للنظام الديمقراطي يتطلب الإيفاء بها وعيا والتزاما فرديا ومجتمعيا، بل وثقافة سائدة تتشارك هذه القيم والمباديء وتصونها وتدافع عنها في وجه التسلط والاستبداد والاستعلاء وكافة مظاهر السلوك والثقافة الديكتاتورية، ذلك أن ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع يتطلب تغييرا في العقليات والتكوين النفسي و بناء العلاقات على أسس ديمقراطية وأن يلتزم الفرد بتطبيق هذه القيم كسلوك في نفسه وبيته ومجتمعه المحلي وفي كل علاقاته بالبيئة من حوله، وبذلك تستقر الديمقراطية كثقافة سائدة، ومن ثم يمكن استدامتها كنظام يلتزم به الفرد ويتوافق حوله المجتمع.
وبإسقاط قيم وموجهات وأنماط السلوك الديمقراطي على واقعنا السوداني وثقافتنا السائدة حاليا، والتي في تقديري تعاني فقرا في القيم الديمقراطية، وهذا الفقر القيمي لا يرتبط فقط بمجتمعاتنا المهمشة أو محدودة التعليم والمعرفة أو التي يسيطر فيها الولاء القبلي على حساب مفهوم المواطنة والولاء للدولة كحاضنة للجميع، لكنه يظهر حتى في سلوك كثير من المؤسسات التي من المفترض أن تكون مهنية وقومية وملتزمة جانب القانون روحاً ونصاً، فمثلاً، العنف المميت الذي تمارسه بعض مؤسسات الدولة في مواجهة الثورة السلمية يتعارض مع حق حرية التعبير والتجمع، والاستبداد والاستعلاء والإقصاء الذي تمارسه بعض النخب عسكرية أو مدنية هي من سمات الأنظمة الديكتاتورية، وهي نقيض الديمقراطية، بل إن بعضا من هذه السمات غير الديمقراطية وجدت طريقها الى أحزاب ونخب ذات واجهات ديمقراطية وسلوك يخالف تماماً الثقافة الديمقراطية، فمثلاً الحوار القائم على الاحترام والصدق والشفافية والتآلف بين الأحزاب السياسية هو أحد القيم الديمقراطية، إلا أن كثيراً من العنف اللفظي والسجال الدائر في الفضاء السياسي، بل و في كافة المجالات في مجتمعنا، يتعدى المفهوم الديمقراطي والإيجابي للحوار والنقد، ويقع ضمن إطار العنف النفسي سخرية وتجريحاً وتخويناً وتسفيها للمخالفين في الرأي دونما احترام لحرية الرأي والاستقلالية وحق الإنسان أو التنظيم أو المؤسسة في الاختلاف. كما أن بعضاً من نخبنا و مؤسسات مجتمعنا الديمقراطية تضيق بالرأي الآخر، وإن أظهرت غير ذلك، وتعمل سرا للكيد على المخالفين بالرأي (أفراداً أو تنظيمات)، بل وتشويه صورتهم ظلما وعدوانا، وذلك سلوك غير ديمقراطي يفتقد الى الاحترام والصدق والنزاهة والاستقامة والعدالة، هذا عن نخبنا ومؤسساتنا التي بها قدرٌ من الثقافة الديمقراطية، أما تلك المؤسسات والنخب ومجموعات المصالح التي تربّت تحت كنف الثقافة الديكتاتورية ودافعت عنها، ففي فقرها لثقافة الديمقراطية في أقوالها وأفعالها حدث ولا حرج، وواقع حال وطننا بعد انقلاب 25 أكتوبر أبلغ من كل مقال.
صحيفة الصيحة