مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب.. أبوعركي البخيت .. معنى الفنان والإنسان

قبل سنوات معدودة تعد على أصابع اليد الواحدة كنت في مقابر فاروق بالخرطوم لتشييع جنازة الملحن الراحل حسن بابكر .. كنت لحظتها في غاية الحزن على رحيل هذا المبدع الذي بتقديري لم يجد الإنصاف والتقدير اللازم للإبداع الخرافي الذي قدمه لهذا الشعب.

في لحظات الحزن تلك .. كنت أعرف حقيقة واحدة لا يطالها الشك أبداً .. بأنني سأجد الفنان أبوعركي البخيت في المقابر .. ولم يخيب الرجل ظني وجدته حاضراً كما العادة لا يغيب ولا يعرف الغياب في مثل هذه المواقف التي تعبر على مدى إنسانية الفنان والتصاقه بالحراك المجتمعي.

فنان محترم:

لم أجد فناناً يهتم باحترام نفسه وتجربته كالفنان العظيم أبوعركي البخيت .. فهو يجعلني أتأمله واستغرق في ذلك كثيراً وأدخل في كثير من التحليلات في حال تجربته الغنائية والتي هي فكرية في المقام الأول وإن كانت معطونة بالعاطفة الدافقة ..أبوعركي من الذين يخططون للأغنية واتجاهاتها العاطفية والفكرية وقضاياها ..ومن يتوقف في قائمة الأغنيات الطويلة يجد أنه أمام مشروع إنساني محتشد بكل تفاصيل الإنسان الأغبش البسيط.

تكوينات مختلفة:

هذه التكوينات المختلفة لأبوعركي البخيت جعلت منه فنانا متكاملا من حيث المشروع الغنائي .. ليس من بين قائمة أغنيات أبوعركي أغنية عادية أو مستسهلة من حيث فكرتها الشعرية واللحنية .. كل أغنية عنده ذات قيم جمالية خاصة .. وهذه القيم التي تعتلي ملامح تجربة أبو عركي تتوزّع ما بين الصدق والشفافية والوقوف على المبادئ والانحياز للانسان السوداني .. وفنان بهذه المبادئ والمواقف من المستحيل أن يغيب عن الناس مهما غاب صوته وانحسر عن أجهزة الإعلام .. وليس مهماً أن يطل عبر الإذاعة أو التلفزيون أو اي وسيط إعلامي آخر .. لأنه اختار لنفسه بضاعة ليست سريعة التلف .. بضاعة تكمن فيها كل عوامل البقاء والخلود.

طوق نجاة:

أصبح أبو عركي في الفترة الأخيرة عبارة عن طوق نجاة للكثيرين من أمثالي الباحثين عن لحظة هدوء تبعدنا عن مشاغل الحياة وهمومها .. وأبوعركي من أقدر الناس الذين يمكنهم مسح الأحزان التي بدأت تتراكم .. وحينما نسمع بأن سعر الدولار ارتفع .. يصبح صوت أبو عركي هو الملجأ والملاذ .. وهو الذي يستطيع أن يخفض من معدلات الأحزان .. وأبو عركي حينما يقول بصريح العبارة بأنه حزينٌ لما يحدث في الوطن .. فهو لحظتها يعبر ويستلف لسان شعب كامل لا يستطيع أن يبوح أو يقول ما يريد .. وهكذا هو ظل على الدوام هو لسان حال المغلوبين والغبش .. وكما تغنى لهم:

ديل اهلي الغبش دغشاً

بدير مرقو النفير

شالوا النهار حتى العصير

ماكلو يوم ولا قصروا

امل الغبش ينزل سحاب

يروي الأرض ويحي التراب

العيش يطول وسط الكداب

زرعاً غزير ما أنضرو

نموذج إنساني:

لذلك سوف أظل أردد على الدوام “حينما أعاين لهذا العشق الجارف لأبو عركي .. لا استغرب أو استعجب أو أندهش .. فالتفاسير واضحة كالشمس في رابعة النهار .. ولعل عركي قدم نموذجاً فنياً لكل الأجيال الجديدة أن تستلهم منه معنى البقاء والخلود في أذهان الناس .. ومن يراهن على الصدق والإنسان لن يخسر .. وأبوعركي كسب الرهان .. والصورة المرفقة مع هذا المقال تؤكد على كل كلمة كتبناها عنه”.

صحيفة الصيحة