رأي ومقالات

في السودان يرتفع الدولار خلال ثلاث ايام فقط بنسبة تتجاوز ال 25%، وينخفض كذلك بنفس الدهشة

اصابة التجار بالاسهالات أم عقولنا
عشت في يوغندا أكثر من عشرة سنوات ، طيلة هذه الفترة لدي تواصل يومي بالصرافات والنظام البنكي . لم يحدث أن ارتفع الدولار فجأة بنسبة تتجاوز ال١٠ % خلال شهر واحد ، اللهم إلا مرة بعد انفصال الجنوب ، ومرة تانية لما الجنيه الجنوبي انهار قبل سبعة سنوات بسبب التحرير الاقتصادي في فترة حرب . لاحظ هذه الزيادات حصلت متدرجة خلال شهر وليس يوم أو اثنين .

دائما البنك المركزي في كمبالا بالمرصاد ، يتابع متابع يومية من على البعد، لا يتدخل في تحديد سعر الشلن ابدا ، يترك الأمر للسوق حسب العرض و الطلب . لكن يتدخل في حالات الطلبات الكبيرة ، عندما يحس بأن هناك طلب عالي أكبر من المعتاد فإنه يتدخل و يضخ مبالغ مساوية أو مقاربة للزيادة الدورية أو النقصان الدوري .

بمعنى: إن كان حجم الكتلة النقدية الاجنبية المطروحة و المتداولة في البنوك و الصرافات تساوي مليار دولار مثلا ، فإن البنك المركزي لا يتدخل إذا كان المعروض اليومي يزيد أو ينقص بمقدار هامش معين ٢% مثلا او أقل من إجمالي الكتلة النقدية الموجودة ، فتكون ال ٢% هي اعلى أو اقل نسبة تغيير في اسعار الدولار .

لكن يتدخل البنك المركزي بسرعة شديدة أن شعر بان هناك مبالغ ضخمة تم ضخها من المستثمرين أو من دول الجوار مثلا، ( لأنها بلد مفتوحة على كل الجيران ، و كلهم يتسوقون في كمبالا مما ساعد في استقرار العملة) ، فيقوم البنك بشراء المعروض و يمتص سيولة النقد الأجنبي و يضخ شلن يوغندي بديلا للدولار … بهذه الخطوة يحافظ البنك على قيمة المدخرات بالعملة الأجنية و يمنع انهيار أصول الصرافات و البنوك التجارية و المستثمرين ، مما يساهم في إحداث اطمئنان في نفوسهم و يتوسعون في المشاريع الإنتاجية و التجارية و السياحية المختلفة .

و كذلك يتدخل البنك المركزي عندما يحس أن هناك جهة ما تشتري مبالغ كبيرة من العملة الأجنبية بكميات أكبر من المعتاد، فيقوم البنك بضخ العملة التي اشتراها سابقا و يسحب الكتلة النقدية المحلية المتداولة ، و يغطي بسرعة النقص في العملة المسحوبة . و بهذا الأمر يحمي الموظفين و العمال و أصحاب الدخل المحدود من الانخفاض الفجائي لقيمة مرتباتهم و كذلك يمنع انهيار قيمة مدخرات المواطنين و الشركات و البنوك بالعملة الوطنية ….

هذه الافادة رد لسؤال وجهته لأحد الأصدقاء الصوماليين يمتلك و يدير صرافة في كمبالا عن سبب عدم الارتفاع الفجائي للعملة الأجنبية ؟؟؟ .

اول دخولي إلى يوغندا كان الشلن اليوغندي يساوي ١.٢ جنيه ، واحد جنيه و قرشين . اليوم الشلن اليوغندي يساوي ما يقارب ال ١٧٠ ج مائة و سبعين جنيها ، أعلى قيمة من الدرهم و الريال .
نحن في السودان عادي يرتفع الدولار خلال ثلاث ايام فقط بنسبة تتجاوز ال ٢٥% ، و ينخفض كذلك بنفس الدهشة و افغار الافواه …

مدخرات تصبح كالرماد فجأة، و ديون مالية تتهالك و مستثمرين و تجار يخسرون ملايين الدولارات . كل هذه الكوارث و نتعامل مع الامر بسبهللية و غباء . مسئولين حكومين يهددون التجار و المستثمرين بالخسائر الفادحة، صحافة بائسة بدلا أن تنشر لنا تحقيقات عن الأسباب و النتائج الكارثية و المعالجات ، الا انها تسخر من التجار و اصابتهم بالاسهالات و الجنون … و مواطنين اصبحوا يتعايشون مع الخسائر و ارتفاع الأسعار و تهالك المرتبات و المدخرات لدرجة التبلد . و مثقفون ينشرون في صفحاتهم تلذذهم بما حدث خلال هذا الاسبوع .

لو أن ارتفاع و انخفاض سعر العملة حدث في أي دولة بهذه الصورة الكارثية لتمت إقالة عدد من الوزراء و المسئولين في الحكومة ، لكن السؤال هل هناك حكومة الآن ؟؟ .
عندما تزكم السياسة فإنها تصيب الاقتصاد بالرشح، و اقتصادنا للاسف اليوم مصاب بالسل و الشلل ، أما سياستنا فإنها في غرفة الانعاش.

على السياسين التحرك لإنقاذ ما تبقى من البلد ، عليهم بالتوافق و التصالح لإيجاد مخرج من عنق الزجاجة الذي نرزح فيه .. علينا عدم الاطمئنان ابدا لهذا الانخفاض المفاجئ لانه سيحدث الارتفاع مرة أخرى، حينها من الصعوبة أن ينزل مرة أخرى، ادركوا البلاد من هذه التشوهات التي يصعب علاجها .

سالم الامين بشير
٢٩ مارس ٢٠٢٢
سالم الامين

تعليق واحد

  1. دا معناها نحن شعب يحكمنا ناس حيوانات لا علاقة لهم بالحكم ولا بالمنطق ولا بالنزاهة ،أثبت السودانيون علي مدى عقود من استقلال السودان مدى ادمانهم للفساد والفشل والتخلف ما يحكم السودان ومن قبلهم ومن يأتي بعدهم سيكونون كما كان قبلهم نموذج حي للفشل
    والفساد والتخلف العقلي والجسوالجسدى..