مقالات متنوعة

التاج بشير الجعفري يكتب: الزراعة .. الحل الأسهل لدعم الإقتصاد!!

{رؤيتي}

بقلم/ التاج بشير الجعفري

إنتهى الموسم الزراعي المطري الماضي وجاءت النتائج بخسائر كبيرة للمزارعين جراء التكلفة المرتفعة للجازولين والأيدي العاملة بشكل أساسي نسبة لتأثيرات التضخم وإنفلات الأسعار؛ وفوق كل ذلك يُعزى فشل الموسم الزراعي وضعف الإنتاج لِقلة الأمطار في بعض المناطق وكثرتها “فوق المعقول” في مناطق أخرى، ليضاعف ذلك من الخسائر التي تكبدتها شريحة كبيرة من صغار وكبار المزارعين.
كلنا يعلم أن الزراعة تُعتبر من القطاعات الانتاجية الأساسية في الإقتصاد السوداني كما أنها تُمثل المصدر الرئيسي للغذاء والدخل في آنٍ واحد في العديد من المناطق؛ لذلك ينبغي أن ينصب تركيز الجهات المسؤولة على توفير مستلزماتها من معدات زراعية وجازولين وتقاوي محسنة وأسمدة ومبيدات بأسعار مدعومة وأيضاً توفير التمويل اللازم للمزارعين قبل وقت كاف.
الشاهد في الأمر أن الجهات المعنية، ممثلة في وزارة المالية والبنك الزراعي والبنك المركزي، لا تولي الأهمية المطلوبة لتوفير متطلبات القطاع الزراعي كنشاط أساسي وحيوي في الإقتصاد ناهيك عن ضرورة العمل على تطويره بإدخال الأساليب والتقنيات الحديثة في الزراعة؛ وإلا فلماذا يتكرر هذا الإخفاق والفشل مع بداية كل موسم؟! ولماذا ظلت نفس المشاكل والمعوقات المتمثلة في تأخير استيراد الجازولين وكذلك التلكؤ في عملية توريد المبيدات والأسمدة في الوقت المناسب تتكرر كل عام دون أن تجد حلاً؟!!
نتذكر جيداً تصريحات وزير المالية وبجانبه وزير الطاقة في بداية موسم الخريف الماضي والتي أعلن فيها رفع الدعم عن الجازولين المخصص للزراعة مؤكداً في نفس الوقت أنه سوف يتم الاستعاضة عن ذلك بدعم الإنتاج من خلال توفير أسعار مجزية للمزارعين، ولكن للأسف ذهبت تصريحاته – كغيرها – أدراج الرياح ولم يعُد هو نفسه يتذكرها، ولا غرابة في ذلك لأن المسؤولين لدينا بارعون في تقديم الوعود البراقة دون أن تقترن أقوالهم بالأفعال إذ لا تزال مطالب المزارعين لتحسين السعر التركيزي المحدد ب 12500ج للجوال دون إجراء.
لقد كان المُبرر الذي سِيق لرفع الدعم عن الجازولين المُخصص للزراعة هو أن هذا الجازولين المدعوم يتم الاستيلاء عليه بطرقٍ مختلفة من أشخاص ويتم بيع التصديقات الخاصة به في “السوق الأسود” وبذلك يذهب الدعم هباء منثورا؛ وهو أمر لا أحد يُنكره ولكن هل حاولت الجهات المعنية بالأمر البحث عن حل “لمشكلة بيع تصديقات الجازولين في السوق الأسود” من خلال الاستعانة باتحادات المزارعين ومكاتب الزراعة الآلية وفروع البنك الزراعي؟
الحل لهذه المشكلة ليس بالصعوبة التي يُصورها البعض؛ إذ يُمكِن ذلك بإنشاء قاعدة بيانات موثوقة لمالكي ومستأجري الأراضي الزراعية في كل منطقة زراعية ليتم توزيع الجازولين المدعوم بناء عليها؛ على أن يتم تحديث وإعتماد وتوثيق هذه البيانات من الجهات المختصة سنوياً وأن تُفرض عقوبات رادعة على “المتلاعبين” فيما يخُص إصدار أو إعتماد مستندات غير حقيقية أو غير صحيحة، وبهذا يُمكِن التأكد من أن الجازولين المدعوم يذهب لمستحقيه من المزارعين ويُساهم في تقليل التكلفة وزيادة الإنتاج.
لسنا بحاجة لتوضيح أن عدم وجود دعم حقيقي من الدولة للقطاع الزراعي بشقيه المروي والمطري عن طريق دعم وتوفير مدخلات الإنتاج وتوفير التمويل اللازم سيؤدي بالنتيجة لانكماش هذا القطاع الحيوي واضمحلاله وبالتالي عزوف المزارعين عن هذا النشاط الهام بسبب التكاليف الباهظة؛ ولا ننسى أن نُذكر أن المزارع يتحمل الكثير من المشقة والعنت بسبب الصعوبات والتحديات المرتبطة بالنشاط الزراعي نفسه وموسم الأمطار حيث تنقطع بعض المناطق الزراعية عن بعضها البعض لعدم وجود البنية التحتية اللازمة كالمعابر والجسور وتلك من التحديات الكبيرة التي تتكرر كل عام في ظل إرتفاع معدلات هطول الأمطار خلال السنوات الأخيرة.
وحيث أننا على أبواب الخريف القادم والذي تُنبيء تباشيره أنه سيحِل باكراً هذا العام؛ نأمل أن تقوم السلطات المختصة بدراسة أسباب معوقات الموسم الزراعي الماضي ومراجعة تأثير رفع الدعم عن الجازولين بُغية الوصول لقراراتٍ سليمة تصُب في مصلحة القطاع والمنتجين.
لا مناص من أن تتبنى الدولة استراتيجية وخطط واضحة للتعامل مع مشاكل القطاع الزراعي والعمل على تطويره ليؤدي دوره كرافعةٍ محتملة لانتشال الاقتصاد من الوضع المتردي الذي وصل إليه؛ وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة إعادة النظر في قرار رفع الدعم عن الجازولين الخاص بالزراعة وذلك للاعتبارات التالية:
1) دعم الجازولين للزراعة يُمكِن إعتباره دعماً استثنائياً في تاريخ محدد ولغرض معين، كما يُمكِن بقليل من الجُهد التأكد من وصوله للجهات المخصص لها عن طريق إشراك أصحاب المصلحة (اتحادات المزارعين)، كما يُمكِن إحتسابه في الموازنة ضمن الدعم المخصص للقطاع الزراعي.
2) توفير الجازولين المدعوم سيساهم في تقليل تكلفة الإنتاج بنسبة مقدرة مما يُعزز تنافسية صادرات المنتجات الزراعية في الأسواق الخارجية.
3) تقليل التكاليف من خلال دعم الزراعة سيضمن توفير المحاصيل الغذائية الرئيسية (الذرة، الدخن، والفول .. إلخ) بأسعارٍ معقولة للاستهلاك المحلي.
4) أخيراً بمقارنة توفير دعم للزراعة من عدمِه يتضح أن وجود الدعم سيشجع على زراعة مساحات أكبر وكذلك سيعمل على تحقيق الأمن الغذائي وتوفير المحاصيل بأسعارٍ معقولة ويساعد على تخفيض معدل التضخم في المديين المتوسط والطويل من خلال وفرة الإنتاج.

ختاماً؛ يمتلك السودان المقومات اللازمة والميزات التفضيلية التي يُمكِن أن تجعل منه البلد الزراعي الأول في أفريقيا والمنطقة، ولكن حتى يتحقق ذلك لابد من دعم القطاع الزراعي من خلال التخطيط السليم وتطبيق أفضل الممارسات للنهوض به.🔹

صحيفة الانتباهة