مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: المؤتمر الوطني وإدمان الفشل

التجربة كفيلة بتعديل السير، فلا عظة أكبر من الوقوع في الحفرة لمعرفة انحراف السير.
إلا أنه يبدو أن تجربة حزب المؤتمر الوطني في الحكم كالماء النجس الذي غلبت نجاسته على طهارته، فلا يصلح معه طهارة إذ لا حل مع الماء النجس الذي لا يمكن طهارته سوى التخلص منه بالكامل.
آفتان عملتا على استحالة تعديل سير المؤتمر الوطني.
ليس من ضمن هاتين الآفتين حب السلطة، فليحب حزب المؤتمر الوطني السلطة كما شاء حتى النخاع، وليعتبر أنه لا يوجد في الوجود من هو أحق منه بالسلطة.
ليس ها هنا الإشكال.
فليكن هذا الحب موجودا وبكثافة، ولكن بدون فهم وبدون إدراك عميق لمعرفة أسباب انحرافه هنا الإشكال.
إن الآفتين اللتين تسببتا في انحراف حزب المؤتمر الوطني ولا تزالان تسيطران عليه هما:
الأولى: الاتكاء على المؤسسة العسكرية في الوصول للسلطة.
الثانية: اعتبار اليسار هو سبب تعطيل العملية السياسية.
هاتان الآفتان هما اللتان عملتا على اجترار الفشل مرات ومرات لدى المؤتمر الوطني.
اتكاء حزب على العسكر ليست خطورته تكمن في ممارسة القمع وكبت الحريات فقط، وليست خطورته تكمن في تقوية قبضة حكم الحزب الواحد في الدولة، فيصبح لا فرق بين ميزانية الحزب وميزانية الدولة حيث يتحول الحزب إلى دولة يتحكم في كل إمكانيات البلد.
إن الأخطر من ذلك كله إزاء اعتماد الحزب على المؤسسة العسكرية في السيطرة على الحكم هو أنه يجمد نشاطات الحزب السياسية حيث يتحول الحزب إلى كتيبة من كتايب الجيش، ويتحول أعضاؤه ومنتسبوه إلى جنود يتلقون التعليمات من رؤسائهم مثلهم في ذلك مثل أي جنود في كتيبة عسكرية.
فإن عقدت المؤتمرات ودورات الحزب لا تعقد إلا شكليا فقط، فلا رأي إلا رأي الرئيس، ولا برنامج إلا برنامج الرئيس، وما الأجسام داخل تلك القاعات إلا ديكورات وواجهات للحزب ليس إلا.
ولن تقدم ولن تؤخر إلا التصفيق والتطبيل، وترديد الهتافات مثل الببغاوات.
امتلاك الحزب للسلطة عبر المؤسسة العسكرية عبارة عن إضافة كتيبة للجيش لا أكثر.
أما الهجوم على اليسار باعتبار أنه هو الذي عطل برنامج الحزب، فما ذلك إلا مثل من يرمي أوساخه على الآخرين.
ما زالت هاتان الآفتان تحيطان بحزب المؤتمر الوطني إحاطة السوار بالمعصم.
كل أقلامهم كل نشاطاتهم كل إمكانياتهم يسخرونها في الاعتماد على عودتهم للحكم على هاتين الآفتين.
فعلى صعيد وصول الحزب للسلطة تركوا أي فكر أو أي برنامج سياسي.
لم يركزوا على أن يكون عضدهم الشعب، وذلك من أجل تحقيق أهدافه وغايته من الحكم.
تركوا كل هذا، وأخذوا يراهنون على قوة العسكر.
ألهذا من أجل كسب الوقت؟
الله أعلم.
من أجل الإصرار على ذات الطريق رغم ثبوت فشله؟
الله أعلم.
من أجل عدم مقدرتهم على مشاهدة عدوهم بأي صورة من الصور؟
ربما يكون هذا هو الاحتمال الراجح.
فبواسطة الاستعانة بالعسكر لا يستطيع عدوهم أن يشاركهم في السلطة بل لا يستطيع أن يمارس السياسة أصلا في ظل قبضتهم عليها اللهم إلا بالطريقة التي يريدونها هم.
ويا ليتهم بالتفافهم بالعسكر يحترمون دوره في بناء الدولة
كلا.
بل يتخذونه وسيلة لتثبيت حكمهم.
العودة المختلفة للممارسة السياسية لا تكون بتكرار الفشل.
لا تكون بالاعتماد على العسكر كما لا تكون بتغطية العجز بالهجوم على اليساريين.
العودة الحقة للممارسة السياسية تكون بالاعتماد على برنامج انتخابي يستهدف المواطن ويستشرف مستقبله.
العودة الحقة للممارسة السياسية تكون بالكلام المسؤول والثابت.
العودة الحقة للممارسة السياسية لا تكون باختيار المواقف حسب الحال والمقام.
فمفاهيم الحرية وتطبيق القانون والتوزيع العادل للفرص ليس لها مواسم، وليس لها ظروف تتعلق بمواقعنا.
وإنما لا بد أن تكون هذه المفاهيم نصب أعيننا سواء كنا في موقع السلطة أو كنا في موقع الاتهام.
كل من له أهداف سياسية يريد أن يحققها عبر حزب المؤتمر الوطني أمامه خياران:
أحدهما: إما أن يبعد الآفتين من الحزب ويحوله لحزب يعتمد على وجوده في الساحة السياسية على نشاطه وبرامجه السياسية بحيث يستمد قوته من الشعب لا من استغلال المؤسسسة العسكرية.
ومن ناحية أخرى يعمل على تصويب أخطائه بالرجوع إلى الصواب لا بمهاجمة اليسار.
الخيار الثاني: حينما يعجز عن إزالة الآفتين، فليس أمامه سوى أن يبحث له عن منبر آخر غير منبر المؤتمر الوطني؛ ليحقق من خلاله أهدافه السياسية.
كل من ينتمي إلى المؤتمر الوطني، وليس في معيته أحد هذين الخيارين، فليعلم أنه ما هو إلا أداة ينفذ في خطط حزب المؤتمر الوطني.
هذا الحزب الذي لم تزده الثورة وانتصارها عليه إلا إصرارا ومكابرة.
محجوب مدني محجوب

صحيفة الانتباهة