عبد الباسط الشاطرابي يكتب.. الدرس !
والساعة كانت زينة الأفندية، ولذلك كانوا يتزينون بها دليلا على الأناقة وميسورية الحال (!!)، بل وكانت أغنيات البنات غنيّة بوصف الساعة المتألقة على ساعد المحبوب، باعتبارها مؤشرا على اكتمال المظهر. ولذلك نجد الصور الفوتغرافية للكثيرين من جيل (أذكريني يا حمامة) تبرز ساعة المتصور كضرورة لإظهار البرستيج والذوق الرفيع لصاحبها
كذلك كان وجود القلم على جيب الشخص إحدى رسالات الأناقة والفهم للآخرين، ولم يكن من المهم نوع القلم إن كان باركر أو تروبين أو، حتى، بك (!!) فالمهم وجود القلم في الجيب، قبل أن يعلم الناس بالتجربة أن أي قلم لن يبقى في ملك صاحبه، ففي أول طلب من شخص آخر لاستلافه .. تنتقل ملكيته للمستلف بعد أن ينسى الطرفان إرجاعه!
وجاء مولد القلم الجاف بمثابة الطامة على قلم الحبر، فبظهوره تراجعت تجارة الأحبار التقليدية التي كانت مزدهرة، ولم تعد المكتبات تحتفي إلا بتلك الأحبار الخاصة بماكينات التصوير، فراحت أقلام الحبر السائل في خبر كان، ولم يبق منها إلا ما بقي من الصحف الورقية بعد أن فتك بها حوت الإنترنت وذريته.
حتى أقلام الرصاص توارت عن الساحة، ولم يعد الناس يسألون عن الـ (ثري إتش) أو (إتش بي) كما كنا نفعل، فقد التهمها الكمبيوتر، وجعلها أثرا بعد عين، لتختفي معها بالتدريج (البرايات) والأساتيك وربما ورق الفلوسكاب.
ذهب بريق الساعات التي أصبحت تباع بالكيلو في بعض أسواق آسيا، وتراجع سحر القلم بعد أن أصبح الأفندية كغيرهم في زمرة مستحقي الصدقة والزكاة، وقامت لوحة المفاتيح في الكمبيوتر والموبايل بالإجهاز النهائي على فلول تلك الأقلام، فلم يبق لها مكان إلا في بعض بنوكنا التي تقوم بربط الأقلام في أماكن (التوقيع) منعا لرحيلها مع الموقعين !
أعظم دروس الحياة أن الدنيا تتغير، والناس تتغير، والأدوات تتغير، والأنظمة تتغير، والطغاة يتغيرون. وتبقى فقط صفحات التاريخ لتكشف من وعى الدرس .. ومن لم يعه.
ورمضان كريم
صحيفة التحرير