مقالات متنوعة

منى أبو زيد تكتب : تزوّجتُ بدوياً..!

“ليتنا أنت وأنا جئنا إلى هذا العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذا حبٌ حقاً أم أننا نتَقمَّص ما نراه”.. د. أحمد خالد توفيق..!

العنوان لكتاب أمسك بتلابيبي بعد أن أثارت فُضُولي ابتسامة مؤلفته “الخواجية” التي كانت تظهر في صُورة الغلاف بجلابية بدوية مُطرّزة وهي تمسك – بكل حُب واعتزاز – بيد رجل بدوي. الكتاب مضمونه مذكرات أو حكاية ممرضة نيوزيلندية قامت برحلة سياحية في سبعينيات القرن الماضي إلى مدينة البتراء الأثرية بالأردن، فانتهت رحلتها بزواجها من دليلها البدوي ذي الشّخصية القياديّة الموهوبة، الذي أقنعتها مَواقفه بأنّه الرجل المُناسب. ثم عاشت معه ولأجله نحو بضعٍ وعشرين عاماً في كهف من كهوف البتراء عمره نحو ألفي عام، وأنجبت منه ثلاثة أولاد..!

وحينما رحل حبيبها البدوي إلى الدار الآخرة في العام “2002م” رحلت هي أيضاً، عادت إلى أوروبا، وقالت إنها لم تكن في البتراء من أجل الجبال والتاريخ والتراث، بل من أجله هو. لذلك لم تستطع أن تبقى دون يده التي كانت تمسك بيدها..!

بعد فراغي من قراءة الكتاب بقيت أحدق في الفراغ أمامي لبضع دقائق، لاحظتُ أنني لم أكن أنقب في انطباعاتها هي، بل في شخصية ذلك الرجل البدوي الذي أسر قلب امرأة مُتحضِّرة، مُتحرِّرة، وزيّن لها حياة البداوة. كنت أبحث في مواقفهما وذكرياتهما المُشتركة عن أسباب بقاء ذلك الحُب الذي يشبه الاجتياح..!

كنت أبحث عن ذلك الشيء الذي ميّز ذلك الرجل البسيط العادي، متواضع التعليم والثقافة والمهنة والدخل. ذلك الشيء السّاحر الذي جعل من تلك “الخواجية” بدوية لا تتبرم من قضاء حاجتها في الخلاء، ولا تفر من زيارات الثعابين والعقارب ولا تحن إلى النوافذ الزجاجية والشوارع المُسفلتة والحياة الرغدة. كنت أبحث عن ماهية ذلك اليقين الكامل بعشق رجل بدوي..!

ذلك الإيمان الذي لم تزحزحه دهشة السياح وأسئلتهم المُستنكرة عن سر احتمالها لحياة البداوة القاسية، تلك القناعة التي حيّرت حتى ملكة إنجلترا التي ذهبت خصيصاً إلى البتراء – عندما زارت الأردن – باحثةً عن امرأةٍ من رعاياها حولها الحب إلى بدوية..!

إنّه يقين الحب وأي يقين، إنّها رصاصة الحب كما قال وأرسى نزار “إن الرصاصة لا تتساءل من أين جاءت ولا كيف جاءت وليست تقدم أي اعتذار، لماذا أحبك ليس لديّ الخيار وليس لديّ الخيار”..!

صحيفة الصيحة