مأزق الاقتصاد .. معادلة غير متكافئة .. تراجع في الإنتاج وتزايد في الاستهلاك
يعيش السودانيون أزمات اقتصادية وأمنية تحاصر حياتهم أكثر من أي زمان مضى، بدءاً من تراجع قيمة العملة إلى أضعاف مضاعفة مقابل شراء السلع وتلقي الخدمات الأساسية التي تمثل أهم أولويات الأسرة في هذا الزمان، ونجد بعض أصوات المختصين والخبراء تؤكد أن نسبة الاستهلاك ارتفعت كثيراً في هذه الآونة، بينما ضعفت عملية الإنتاج بشكل ملحوظ، لكن قديماً يقال: (إذا تدهورت الحالة الاقتصادية تفرز العديد من المخاطر والتي أبرزها ظواهر الفوضى الأمنية)، وكأنما هذا الواقع يجسِّد حالة الفوضى الاقتصادية والأمنية والتي برزت بشكل لافت منذ الأشهر الماضية وحتى راهنه، وحتى لا تتمادى الأوضاع إلى المزيد من الاضطرابات إلى أكثر من ذلك في أوساط المجتمعات السودانية، ويصبح مستقبل البلاد أكثر هشاشة مما سبق.
آراء متباينة
وتباينت رؤية المختصين في قضايا الاقتصاد في إجاباتهم حول التساؤلات التي تتعلق بالراهن الاقتصادي والأمني الذي يجابه السكان، وبعض المحللين الاقتصاديين وضعوا بعض الإفادات حولها وما هي المعالجات للخروج من هذه الأزمات والتطلع لمستقبل مشرق اقتصادياً وأمنياً؟ وهل يستطيع أن يتعايش السودانيون مع هذا الواقع المضطرب؟ وكما أفاد خبراء اقتصاديون بأن السودانيين اعتادوا على العيش في ظل الضنك والضائقة المعيشية وهذه الأوضاع تزيد أيضاً من الغضب الشعبي على السلطة الانقلابية، بينما يفيد البعض بأن الرؤية ضبابية تماماً والحياة المعيشية ما زالت تزداد صعوبة يوماً تلو الأخر، ويتوقع آخرون أن يحدث انفراج اقتصادي كبير في غضون عام أو عامين نتاجاً للإصلاحات الاقتصادية بالرغم من أنها كانت قاسية جدآ مع أنها ضرورية.
سبب الخلل
ووفقاً لتقديرات القيادي بالحزب الشيوعي، كمال كرار، أن الأزمة الاقتصادية في بلادنا ومنذ عقود هي نتيجة للأزمات السياسية وإشعال الحروب، وقال: إن الأزمات السياسية تعيق الخطط الاقتصادية، وتهدر الموازنات العامة على قطاعات غير إنتاجية والحروب كذلك، ويشير إلى أن نتائجها مثل النزوح وتدمير البني التحتية، وقال: “نحن في ظل وضع لا توجد فيه حكومة ولا موازنة ولا أسبقيات للصرف”، وتابع قائلاً: عليه فما نراه اليوم هو وليد إجراءات الخامس والعشرين، ويضيف بالقول: السودانيون اعتادوا على العيش في ظل الضنك والضائقة المعيشية وهذه الأوضاع تزيد –أيضاً- من الغضب الشعبي على السلطة، وأكد أن الثورات في السودان شرارتها الأوضاع الاقتصادية وزيادات أسعار السلع الأساسية، وأشار إلى أن توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في 2020م حملت خططا يمكنها أن تخرج الاقتصاد من أزمته، ولكن حكومة حمدوك رمت تلك التوصيات في سلة المهملات وسارت في طريق إفقار الشعب بوصفات الصندوق الدولي، ومضى قائلاً: حتى الحكومة الحالية مازالت تنفذ شروط الصندوق، وقطع بوجود فرصة كبيرة للرجوع إلى توصيات المؤتمر واتخاذ سياسات جديدة.
إلى ذلك تعتقد الخبيرة في المجال الاقتصادي د.سوسن فؤاد، أن في هذا التوقيت أي مختص لا يستطيع تحليل كيفية تجاوز الشعب الأزمة الحالية بجميع نواحيها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأوضحت أن الرؤية ضبابية تماماً والحياة المعيشة تزداد صعوبة يوماً تلو الآخر، وقالت: توقف الإنتاج تماماً.
أزمة إدارة وقيادة
ويرى المحلل الاقتصادي د. عوض الله موسى، أن المشكلة مشكلة إرادة وقيادة وإدارة اقتصاد ومشكلة إدارة موارد دولة، لم تنل بعد إعادة تخطيطها، وقال: إن مشكلة سياسات (مالية، نقدية) تتناسب مع الحالة السودانية و ضمان تنفيذها وحسن إدارتها، المشكلة مشكلة إنتاج كثقافة وكعملية وكإجراءات، وأكد أن المشاكل معلومة ومحددة فقط جرأة وقوة في إدارتها ومعالجتها، ويضيف بأن (الحال ماشي بالبركة)، وأشار إلى أنه بالحسابات أتوقع خلال النصف الثاني من العام 2022م أن يكون أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة وينسحب على العام المقبل بصورة أصعب، بيد أنه يقول: إن المشهد يدار بعناية من بوابة المال والاقتصاد ليقود الدولة إلى مرحلة اللاعودة في التفاصيل الأخرى كافة ، وأوضح أن الندرة هي التي تحدد سعر السلع والخدمات، وينظر إلى أن هناك تنام وتعاظم في الأسعار مع الوفرة، متسائلا فما هو الأساس من ذلك؟ وأكد أن فاتورة المعالجة أصبحت مكلفة وصعبة التحقيق، وأبان أن حالة شاذة نعيشها بسبب تباطؤ الاقتصاد في كل ما يتعلق بمالية الدولة، وكل ما يتعلق بالعمل المصرفي، السياسات المالية والنقدية.
نتائج السياسات
ويشير المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان، إلى أن الوضع الاقتصادي في السودان من منظور الإصلاحات الاقتصادية يعتبر في طور التأسيس لمرحلة انطلاق اقتصادي وبالتالي يمكن أن يتم التخطيط لها بشكل جيِّد بهدف إخراج السودان من دائرة الأزمة الاقتصادية إذ أن إلغاء الدعم السلعي للوقود والخبز وتقليله للغاز والكهرباء وضع الاقتصاد السوداني في الطريق الصحيح، ويرى أن الآثار الجانبية لبرنامح رفع الدعم السلعي على المواطنين انعكست بصورة سيئة في ظل توقف برنامج ثمرات وضعف اهتمام الحكومة بدعم الصحة والتعليم مع الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء بسبب انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني، بجانب الحرب الروسية الأوكرانية وتوقف الدعم المالي الدولي للحكومة الانتقالية السودانية بعد إجراءات الفريق أول عبدالفتاح البرهان، العسكرية التي أطاحت بحكومة قوى الحرية والتغيير والتي نتج عنها -أيضاً- توقف برنامج إعفاء الديون الخارجية، ويؤكد أن المواطنين السودانيين تكيَّفوا مع الغلاء بالبحث عن مهن إضافية أو بالاغتراب والهجرة أو البحث عن إضافة عمل في مناطق التعدين، ويتوقع أن يحدث انفراج اقتصادي كبير في غضون عام أو عامين نتاجاً للإصلاحات الاقتصادية بالرغم من أنها كانت قاسية جداً مع أنها ضرورية.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة