مقالات متنوعة

مكي المغربي يكتب: شرعية بديل الجحيم


يخطيء حكامنا وأحزابنا، لو ظنوا أنهم سيستمرون بهذا النوع من الشرعية، فلو نفعت غيرهم لنفعتهم. مهما كان سندهم مدنيا أو عسكريا أو جهويا أو قبليا أو طائفيا، سيصيبهم ما أصاب غيرهم في النهاية.

شرعية بديل الجحيم، رغم لؤمها وقبحها تبقى نوع من أنواع الشرعية يجب التعرف عليها جيدا لندرك خطورتها ونتلمس الطريق في الخلاص منها. هي باختصار شرعية تقوم على منطق “أنا سيء ورديء ولكنني أفضل ممن هو أسوأ مني، وبديلي هو الجحيم”.

منذ فترة والنقلات الكبرى والصغرى والمفاوضات السياسية والتبريرات الرسمية وغيرها تتم في الساحة السودانية على هذه الطريقة. يقول طرف لو ذهبنا ستتحولون إلى لاجئين، ثم يأتي بعد ذلك خصمه ليقول لدينا عيوب كثيرة لكن لو ذهبنا سيعود النظام السابق، وكلا الطرفين يبرر وجوده بأنه بديل الجحيم.

تماما مثل شرعية السكير العربيد الذي يبطش بزوجته وأطفاله ويقض مضاجعهم عندما يعود ليلا، ثم يقول في الصباح لزوجته “أنا غلطان!” لكن لو طلقتك حا تمشي وين؟ والأولاد حا يحصل ليهم شنو؟ ومع الجحيم المتوقع لها وللأولاد بسبب الطلاق تصبر المرأة ثم تكتشف أن جحيم تنشأة الأولاد على هذا العنف الأسري المرير ليس بأفضل من جحيم الطلاق. ومثل شرعية رب العمل “المفتري” الذي يمتن على عماله بأنه لا يوجد عمل في السوق فيكتشفون لاحقا أن العطالة ليست جحيما إذا ما قارنوها ببؤس الحال معه إذ يذهب الفتات في “المواصلات” ولا يبقى لهم الا الذل والإحتقار.

ولذلك شرعية بديل الجحيم تحمل نواة فنائها بداخلها لسببين؛ الأول أن مدعي الشرعية يقر ضمنا بأنه سيء ورديء وأن المقارنة بينه وبين الجحيم بسبب تفاوت الدرجات فقط لا غير. الثاني أن المتضرر من جحيمه سيقارن يوما بين الجحيم المتحقق والمتوقع وليس بالضرورة أن يأخذ بالنتيجة التي ادعاها المسيطر المستفيد.

لو تلاحظون من يأتي للسلطة يبدأ بآمال وطموحات، ولكنه وبكل بساطة لم يخطط جيدا ولم يتفادى الأمراض الإدارية والسياسية المستعصية التي جربها سلفه، فيشرب من ذات الكأس ثم يفشل ويلجأ إلى شرعية بديل الجحيم بدلا من الإقرار بخطأه. ولو تلاحظون الأمر لا ينحصر فقط في السلطة، كل الأحزاب مصابة بهذا الداء حتى “مشاش عظمها” ويتم تعطيل مؤسساتها وتأجيل إنتخاباتها الداخلية وممارسة الديكتاتورية والشللية والأسرية ويتم تبرير هذا لقواعدها أنه أفضل من جحيم الإنشقاق وتفكك الحزب أو الحركة أو الكيان. تمارس القيادات السياسية شرعية بديل الجحيم داخل مؤسساتها، وتحكم باسمها، ثم تمارسها إذا وصلت للسلطة، وتفعل كل شيء، طمع ومحاصصة وتمكين، وعليكم – أيها الشعب – بالرضا والإذعان وإلا فان البديل هو الجحيم. وللأسف لم “ينفطم” بعض منسوبي النظام السابق عن هذه الشرعية، رغم تحولهم من خانة الجلاد إلى الضحية وهي فرصة عظيمة لبداية جديدة مؤسسة على الديموقراطية والعدالة لو أدركوا قيمتها.

وسط هذا الركام أنا واثق أنه هنالك أكثر من “رجل رشيد” وأنه سيخرج للساحة من يطرح برامج جديدة تحترم عقول الناس وليس المخاوف والشماعات والفزاعات، برامج تتحدث عن نفسها وليس عن أخطاء غيرها، برامج إذا استلهمت الأفكار من الدين فإنها تستلهمها من جوهره ودراريه المصونة وليس من منطلق التخويف من خطورة أعداء الدين، برامج إذا استلهمت من الإرث الإنساني والعدالة وحقوق الإنسان فإنها لا تبرر للإستبداد الدولي وتلعق نعاله لحماية الشعب من إستبداد محلي.

من يخرج للساحة بهذه الأصالة في الطرح سيجد قبولا ضعيفا في البداية بسبب إدمان الناس لشرعية بديل الجحيم ثم تتغير الأمور ويستقيم الميسم وينعقد الإجماع الشعبي على رفض الإحتمالين؛ الجحيم ومن يدعي أنه أهون منه.

صحيفة الانتباهة