تحقيقات وتقارير

“مايو” الاستثنائي في الخرطوم .. “فهرنهايت” سياسي ساخن !!


ما أن انقضى شهر رمضان الكريم في السودان، حتى استقبل السودانيون صيفاً سياسياً ساخناً في شهر مايو الجاري، في وقت لم تتحرك فيه الأزمة السياسية في السودان قيد أنملة للأمام، وعلى الرغم من وجود همة عالية تعتري الآلية الثلاثية في لقاءات مُكثفة مع الأطراف الفاعلة في المشهد الانتقالي، إلا أن الشارع الثوري لا زال مُتمسكاً بلاءاته الثلاث يرفض أية حلول تُبقي المكون العسكري الحالي في أجهزة الحكومة الانتقالية، وهو ذات الأمر الذي يُصعب من مهمة تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي والذي ظل يؤكد رفضه للانقلاب ويُطالب بإنهائه فوراً قبل البدء في أية حديث عن الحوار والتوافق الوطني، ومن جهة أخرى تدافعت كيانات وقوى سياسية أخرى للقبول بمبدأ الحوار رفضاً للمنهج الذي تطرحه قوى الثورة الحية في تفعيل كل أدوات المقاومة الجماهيرية لإسقاط السلطة الانقلابية الحاكمة الآن. وفي غضون ذلك فرغت لجان المقاومة التي تقود الشارع في التظاهرات ضد السلطة الانقلابية، من التوقيع على ميثاق سلطة الشعب وتنشط الآن في تحشيد كثير من قطاعات الشعب السوداني للانضمام إليه والتعامل معه كمرجعية أساسية في طرح البديل المدني الديمقراطي.

(1) “المقاومة” والشيوعي..
عزوف عن شراء “بضاعة” حوار الآلية الثلاثية !!

منذ دخول شهر مايو، قررت الآلية الثلاثية المتمثلة في بعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والإيقاد، رفع وتيرة العمل مع الأطراف السودانية بحثاً عن تقريب وجهات النظر بغية الوصول لتوافق وطني كبير يُنهي الأزمة السودانية التي تخلقت أعقاب استيلاء المكون العسكري على السلطة في 25 أكتوبر الماضي، إلا أن دعوات الحوار التي ترفعها الآلية الثلاثية، تجد نفوراً كبيراً من قبل لجان المقاومة وكذلك الحزب الشيوعي السوداني، ويعتبرانها مجرد محاولات لشرعنة الانقلاب وإيجاد مسوغات أخرى لإفلات الانقلابيين من العقاب. حيث أوردت صحيفة (الجريدة) عدد من الاستطلاعات أوساط عضوية لجان المقاومة لتحسس مواقفها الأولى وردود أفعالها حيال الحوار الذي انطلق وتقوده الآلية الثلاثية، وكانت تنسیقیات لـجـان مقاومة المربعات والبنك العقاري وأم درمان والخرطوم شرق وشمال أعلنت عن رفضھا لدعوة الآلیة الثلاثیة المكونة من الأمــم المتحدة والاتــحــاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، وجــددت تمسكھا بــالــلاءات الـثـلاث “لا تــفــاوض، لا شراكة، لا شرعیة”. وكان (الجريدة) استنطقت أحد الأعضاء بلجان مقاومة الخرطوم شرق والذي أكد رفضھم الدعوة ، و كذلك قالت عضو بتنسیقیة ود نوباوي نرفض الدعوة وحتى إذا ذھبنا سوف نجدد تمسكنا باللاءات الثلاث، ومن جھتھا أكدت تنسیقیة لجان مقاومة الخرطوم شمال رفضھا للحوار أو الجلوس مع المكون العسكري واعتبرت أن الآلیة الثلاثیة تسعى لشرعنة الانقلاب وقالت “نحن طالبنا بالتسلیم الفوري للحكم المدني الدیمقراطي وإبعاد المكون العسكري مــن المشھد الـسـیـاسـي والــعــودة للثكنات، والعدالة الانتقالیة”، وجزمت باستمرار الحراك الثوري لمناھضة الانقلاب .وأيضاً قـال عضو تنسیقیة لجان مقاومة البنك العقاري فضل حجب اسمه، إن كل لجان المقاومة متمسكة باللاءات الثلاث، وإذا تم قبول دعـوة فولكر سیتم فتح الـبـاب لــدعــوات أخـرى للجلوس مــع الـمـكـون العسكري الانقلابي. ومن جھته أرجع الناطق الرسمي باسم تجمع السودانیین علاء الدین عوض نقد الله ظھور المبعوث الأفريقي محمد الحسن ود لبات للمجھودات الداعمة للتحول الدیمقراطي التي قـام بھا فولكر والتي أثارت غضب الانقلابیین. وأردف: كان لابد من یأتي ود لبات ویحاول إنقاذ الانقلابیین ، وأكد رفض كل لجان المقاومة لدعوة فولكر. وليست لجان المقاومة وحدها من أكدت تحفظها الرافض لمنهج الآلية الثلاثية في فتح حوار مع المكون العسكري، بل ذهب الحزب الشيوعي السوداني إلى أبعد من ذلك، وأعلن رفضه دعوة الآلیة الثلاثیة للأمم المتحدة و الاتحاد الأفریقي والإیقاد لعقد اجتماع مع الحزب. وأوضح الحزب الشیوعي في بیان رداً على الدعوة أنه لیس ھنالك سبباً جدیداً للاجتماع مع الآلیة مشیراً إلى أنه أوضح في اجتماع سابق موقفه من جھود الآلیة للتفاوض المباشر بین القوى السیاسیة والانقلاب العسكري وقـوى سیاسیة كانت شریكة للمؤتمر الوطني حتى سقوط سلطتھ في أبریل ۲۰۱۹. وأشار الحزب الشیوعي إلى أن الدعوة جزء من خطة للتفاوض غیر المباشر بعد أن فشلت جھود الآلیة في التفاوض المباشر. وشدد الحزب الشیوعي السوداني على أنه متمسك بعدم التفاوض مع السلطة الانقلابية ومع المؤتمر الوطني وحلفائه، ونوه الحزب الشیوعي إلى أن تعامل الآلیة مع القضیة السودانیة كأزمة بین القوى السیاسیة والعسكر ینبغي حلھا بالتفاوض خطأ كبیر واعتبر ذلك عدم تقدیر للثورة السودانیة. واتھم الحزب الشیوعي الآلیة الثلاثیة بأنھا تؤید الإفلات من العقوبة في الجرائم والانتھاكات التي تعرض لھا الثوار وأن الحزب لا زال متمسك بمساءلة و محاسبة الجناة.

(2) “المقاومة” وحركة عبد العزيز الحلو..
اتفاق في المضمون واختلاف في منهج التفاصيل

كان توقيع لجان مقاومة ولاية الخرطوم الأربعاء الماضية، على ميثاق سلطة الشعب بشكله النهائي، لإدارة البلاد في الفترة القادمة حتى إقامة الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية، بمثابة انحراف معياري كبير في مسار الأزمة السياسية التي أوجدها انقلاب الـ25 من أكتوبر، وعلى الرغم من أن الخطوة وجدت دعمًا من قطاعات عريضة أوساط الشباب السوداني على وجه التحديد، هناك ما اعتبره لا يختلف عن مواثيق طرحتها قوى يسارية في وقت سابق. وجاء ميثاق سلطة الشعب داعياً إلى مقاومة الانقلاب حتى إسقاطه ومتمسكاً بلاءات الثلاث، لا شراكة ولا شرعية ولا مساومة مع العسكريين، وودعا الميثاق إلى تشكيل حكومة انتقالية من القوى الموقعة على الميثاق مدتها عامان، مؤكدًا على ضرورة تشكيل مجلس تشريعي يمثل قوى الثورة الحية، وتشكيل مجلس وزراء من كفاءات وطنية مستقلة منحازة للثورة، وتشكيل 12 مفوضية من بينها مفوضية السلام والانتخابات والخدمة المدنية والعدالة الانتقالية، وحل المليشيات المسلحة وقوات الدعم السريع وإعادة دمج وتسريح قوات حركات الكفاح المسلح . كثيرون توقعوا أن يجد الميثاق صدى كبير أوساط الحركات المسلحة التي رفضت الانضمام لاتفاق جوبا للسلام ، إلا أن القيادي بالحركة الشعبية شمال جناح الحلو محمد يوسف المصطفى، وبحسب تصريح لـ(السوداني) قال، لن نوقع على ميثاق سلطة الشعب لكن نؤيده، وموقفنا حساس في بعض القضايا التي لها علاقة بالموقف التفاوضي، مشيرًا إلى أنه موقف لصالح السودانيين وليس الحركة الشعبية جناح الحلو، بالتالي لا يمكن أن نوقع على ميثاق لا يشمل القضايا الأساسية والجوهرية، مشيرًا إلى أن ميثاق سلطة الشعب خطوة إيجابية، وتوضح أن لديهم رأي فيما يحدث في الساحة السياسية ويعلنون عنه بشجاعة، لافتًا إلى أنه قابل للحذف والإضافة . القيادي بالحركة الشعبية أشار إلى أن الميثاق هو جهد إنساني تنقصه بعض الجوانب، ولا بد من استكماله ليجمع كل الناس ويروا فيه حل الأزمة السودانية أو على الأقل الجوانب التي يعانون منها، وقال إن القضايا الأكثر جذرية وتتجاوز المظاهر أزمة البناء السياسي، أو المتعلقة بتغيير نظام الحكم من عسكري إلى مدني، من بينها قضية هوية السودان ونظام الحكم، وعلاقة الدين بالدولة وإتاحة الحرية لمكونات الشعب السوداني أن تمارس حقها وأن تقول رأيها في الوحدة الطوعية، وأضاف أن التغافل عنها أو تأجيلها إلى مؤتمر دستوري أو منابر أخرى بعد تشكيل الحكومة من السلبيات، وتابع على لجان المقاومة أن تعلن رأيها في هذه القضايا، وهي مظهر مهم من قضايا الأزمة السياسية، مشيرًا إلى أن المواطنين الذين يعانون من ويلات الحروب تكون الأولوية لديهم هي إيقاف الحرب .

(3) “المقاومة” والحرية والتغيير..
ضبابية في الموقف الجمعي بسبب الاكتراث لوحدة قوى الثورة

في وقت انخرطت فيه قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي التي ترفض الانقلاب وتنتظم فعلياً في الحراك الثوري الذي تقوده لجان المقاومة وتؤيده، في حوار ثنائي مع الآلية الثلاثية بعدما قبلت الدعوة ، نسبت صحف محلية للقيادي بالحرية والتغيير عروة الصادق قوله، أن دعوة لجان المقاومة للأحزاب والقوى السياسية بالتوقيع على الميثاق منفردة ليست من صالح وحدتها، وقال إن التقييد ووضع اشتراطات للقوى السياسية واستثناءاتها بنبرة حادة لا تقود إلى تفاهم، بل الأمر يحتاج إلى نقاش معها، وأضاف : توقيع القوى السياسية منفردة من الاشتراطات المتحفظ عليها، لأن لجان المقاومة نفسها وقعت كتنسيقيات وتحالفات، وتابع: ( لا يمكن نقسم المقسم ومن المهم أن تتعامل مع القوى السياسية ككتل وإغلاق الباب أمام مواثيق جديدة وتكوينات جديدة يتم إعدادها الآن)، حديث عروة الصادق اعتبره الكثيرون بمثابة رفض مٌبطن من الحرية والتغيير لبعض التفاصيل المهمة في ميثاق سلطة الشعب، وأن تحفظ الحرية والتغيير ناشئ بسبب اكتراثها المفرط لضرورة قيام كيان واحد لقوى الثورة جميعها الرافضة للانقلاب والمؤمنة حقاً بالتحول المدني. وكان المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير في اجتماعه الطارئ يوم الأحد، أكد الالتزام والتعاطي الإيجابي مع العملية السياسية تحت رعاية الآلية الثلاثية- الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد. وشددت قوى الحرية والتغيير في بيان على ضرورة وجوب إجراء العملية السياسية أمام مرأى الشعب وقوى الثورات كافة في شفافية تامة مع من قدموا التضحيات. وأشار إلى وجوب وضع إجراءات لتهيئة المناخ خالياً من العنف والاعتقالات موضع التنفيذ والالتزام بحماية المدنيين وتمكين الحركة الجماهيرية من المشاركة في العملية السياسية في مناخ حر وسلمي حتى تؤدي العملية تحت رعاية الآلية الثلاثية إلى تحقيق مطالب قوى الثورة بتشكيل سلطة مدنية كاملة وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة. ودعا قوى الحرية والتغيير إلى ضرورة عدم التعامل بالعنف غير المبرر ضد الحركة الجماهيرية مؤكداً وضع قضية المعتقلين منها في مقدمة أجندته الداخلية والخارجية ويعمل مع العديد من الجهات لإطلاق سراحهم. وكشف البيان عن تكوين لجنة لصياغة موقف الحرية والتغيير المفصّل من العملية السياسية استنادا على الرؤية السياسية المجازة من المجلس المركزي في يناير 2022. ورصدت (الجريدة) تفاعلت كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي، ذهب بعضها لتجريم الحرية والتغيير في الدخول في حوار غير مباشر مع الآلية الثلاثية دون اعتبار لموقف الكتلة الثورية التي تقود التظاهرات وتتعرض لانتهاكات واسعة من قبل السلطة الانقلابية، بينما يرى آخرون بأن موقف الحرية والتغيير مفهوم في سياقه السياسي بأنهم طرف أصيل في الحكومة الانتقالية التي انقلب عليها المكون العسكري وأزاحها دون وجه حق.

عبد الناصر الحاج
صحيفة الجريدة