احمد يوسف التاي يكتب: ليس بالهرجلة والهتاف..!!
(1)
نحنُ السودانيون الآن نرفع شعار الدولة المدنية ونقاتل من أجلها ونستبسل من أجل التحول الديمقراطي، نفعل كل ذلك ولكن للأسف لم نتجاوز دائرة الهتاف والشعارات، فحالنا حال من يرجو النجاة ولم يسلك مسالكها ، فهل تمشي السفينةُ على اليبِسِ؟.. إذ أن هناك استحقاق كبير كي نبلغ هذا الهدف.. الدولة المدنية الديمقراطية تحتاج إلى أرضية صلبة وأساس متين كي تقوم عليه، الدولة المدنية لا تُؤسس على الحناجر الغليظة والهتاف والهرجلة… هذه الأرضية الصلبة والأساس المتين هما إصلاح الحركة السياسية أولاً ، وتنظيفها وتنقيتها من الشوائب وتقويتها بإبعاد العناصر الانتهازية التي تشكل نقاط ضعف أساسية ومداخل للإختراق وتقويض البناء الديمقراطي داخل هذه الأحزاب نفسها…
(2)
بعد استيلاء الجبهة الإسلامية على السلطة في 30 يونيو 1989م عمدت إلى إضعاف الأحزاب السياسية التقليدية المنافسة، وأمعنت في قصقصة أجنحتها وتقليم أظافرها ونتف ريشها، ثم جاءت الخطوة الثانية في القضاء عليها باستنساخ صور منها تتبع للحزب الحاكم كظله، وبالمال حققت ما أرادت إلى أن جاءت فكرة أحزاب التوالي، وهكذا صنعت أحزاباً صغيرة (ترلات) تجُرها خلفها إلى ساحة الإنتخابات الصورية في مشهد عبثي لتشويه الديمقراطية… هذه علة أساسية ما زالت باقية لا بد من استئصالها لتتعافى الحركة السياسية.
(3)
الآن ثورة ديسمبر المباركة تضع البلاد على أعتاب الديمقراطية الرابعة، لكن السؤال ما الذي يميز حقبة الديمقراطية الرابعة المقبلة عن تجاربنا التي سميناها مجازاً ديمقراطية أولى وثانية وثالثة، وأحزابنا السياسية التي تجر عربات السباق الإنتخابي تعاني من الإعياء والضعف والهوان والهشاشة وتستوطن بداخلها الأمراض المستعصية التي أودت بالتجارب الديمقراطية السابقة… ليس هناك جديد، الإنتهازيون في كل حزب يتقدمون الصفوف ويقودون الخطام يساومون ويراءون ويداهنون ، وذرية ابن أبي سلول في كل تنظيم ترفع راية النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ولم تنقرض بعد…وأصحاب الكفاءات والخبرة وأهل الاستقامة ينزوون أو يُبعدون ويُخوَّنون، وأرباب الفساد والنفاق والإنتهازية والصوت العالي هم الأقرب للقيادة ومراكز القرار والأكثر (ولاءً) وتزلفاً..
(4)
الأحزاب الآن تُدار بنفس الطريقة التقليدية وذات العقلية الرعوية لا تأخذ من العلم وفن الإدارة الحديثة إلا خطوطاً عريضة للتسويق والعرض فقط … وطرق الوصول إلى المواقع هي ذات الطريقة القائمة على التآمر و(الحفر) والتزلف وموالاة الأشخاص والشلليات، حتى طريقة الصراع والتنازع حول المناصب هي ذاتُها، وعمليات تحصين المواقع وإحتكارها لم تتغير بعد… هذه أمراض مزمنة أفسدت الحياة السياسية وأفشلت التجارب الديمقراطية لا بد من مكافحتها والقضاء عليها أولاً قبل الدخول إلى حلبة التنافس وماراثون السباق الإنتخابي، فلا بد لأفراس الرهان ـ الأحزاب ـ أن تتعافى من أمراضها وإلا ستنهار في منتصف الطريق..
(5)
الإجتهاد في المطالبة بالمدنية الكاملة يجب ألا يقل عن الإجتهاد في البناء الحزبي الديمقراطي والتهيئة للسباق الإنتخابي… طال الزمن أم قصر سنصل إلى الإنتخابات، وسيصيب الكساد كل بضاعة إلا (الديمقراطية) فهي الأمل والمستقبل والطموح والهدف ، والدولة المدنية الديمقراطية هي سدرة منتهى كل مطلب واع وحصيف ، لكن قبل الوصول إلى هذا المبتغى لا بد من إمتلاك القدرة على المسير، وإلا فالمؤسسة العسكرية لا تعدم التبرير حينما تنقض على الحكم بدواعي المحافظة على الأمن القومي ….اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة