مقالات متنوعة

مكي المغربي يكتب: البزنس الهندي بين السودان وبوتسوانا!

نار القصب –

من بوتسونا تحياتي، بلاد الأفيال والماس، فهي صاحبة أكبر تعداد من الأفيال في العالم، وهي المنتج الأول للماس الجيد في العالم. قلت للسيد مولالي في مؤتمر أصحاب الأعمال الأفارقة مايو 2022، صورة بوتسوانا في ذهننا مرتبطة بالماس والأفيال، ولذلك أتوقع في أي لحظة أن أستقيظ الصباح فأجد فيلا يرعى الشجيرات في باحة الفندق كما أتوقع أن تناديني على جنب وتدس كيسا من الماس في جيبي لأنه في بلدك مثل الفول السوداني في بلدي. استغرق في الضحك، وقال لي شكرا أنك ربطت موضوع الماس بالفيل الجائع في الفندق.
في الطريق هنالك أحد فروع تشوبيس Choppies وهو أكبر وأغنى سلسلة هايبرماركت أفريقية، ولأول مرة أعلم أنها شركة بتسوانية وكنت أظن انها لأحد مليارديرات جوهانسبيرج. أسستها أسرة هندية من بوتسونا، بدأت من دكان في بلدة غرب العاصمة قابروني، والهنود هناك هم أصحاب بزنس ودأب وسمعة مثل الذهب الخالص، وليس فقط الهنود القدامى من سكان البلد، هنالك شركات هندية قدمت وتقدم كل يوم وتنجح في مجالات التجارة والخدمات والبلاد مفتوحة لهم.
كتلة دول إقليم جنوب أفريقيا معظمها أقرب إلى إقتصاد السوق وبالكثير جدا المختلط، الإستثناء زيمبابوي بسبب تنامي المشاعر الأفريقيانية والبداية الإشتراكية.
كينيا أيضا من الدول التي تأسست على أقتصاد حر بعد ان بدأ المؤسس جومو كينياتا حياته شيوعيا ولكن الله أنقذه وأنقذ بلاده بمنحة دراسة في مدرسة لندن للإقتصاد وعاد بأفكار جديدة ووضع بلاده على المسار الصحيح من البداية.
بالنسبة لي مقياس تعافى الإقتصاد في عدد من الدول الأفريقية هو تواجد الهنود، لأنهم يقدمون بزنس حقيقي مرتبط بهم وباسرهم وليس مجرد صناعة الترفيه والمطاعم.
وبالرغم من أن السودان وتحديدا في امدرمان وبورتسودان يوجد حضور تجاري هندي قديم وبالرغم من أن الشعب السوداني أقرب للإنفاق من الإدخار فهو “زبون جيد” إلا أننا تاخرنا جدا للدرجة التي عندما افتتح مول عفراء كانت بعض الأسر تذهب ليستخدم أطفالها السلم المتحركة وكانه لعبة.
السودان كان ولا يزال مؤهلا لما هو أفضل من ذلك، وليس الخطأ في المستثمرين ولا رؤوس الأموال الأجنبية إطلاقا، الخطأ فينا وفي إقتصادنا الذي لم يتحرر من الدعم المشوه وهو دعم الإستهلاك إلا “أول امبارح” ولم ندخل بعد في مرحة دعم الإنتاج وتشجيع الإستثمار الاجنبي وما تم من تشجيع ونجح فيه بعضهم، حدثت مآسي بعده لاحقا.
في مؤتمر بوتسوانا التقيت برجل أعمال هندي زائر وله صلة قرابة بمؤسس تشوبيس، دردش معي عن السودان، ودعوته لفتح فرع في السودان، وظننته يرغب أن يعرف الجديد، وبعد أن أنهيت حديثي قال لي بهدوء، هل تعلم ما هي أقوى واسائل تحديد المستثمر لوجهته؟ هل تظنها المؤتمرات أو الدعاية الحكومية؟ غير صحيح.
الوسيلة الأقوى هي مراجعة أصحاب البزنس الذين جربوا قبلك وأنت تعرفهم ولديك صلة بهم. أنا أعرف تماما هل هنالك تأخير في دخول البزنس من الهند للسودان أم أن الامور ميسرة؟ وأعلم تماما ما الذي واجه ويواجه الشركات الهندية في السودان.
لذت بالصمت لأنني أعلم أيضا قصة العشرات من العمال الهنود في شركة سودانية الذين تم استهداف شركتهم وظلوا يقتاتون على معونة السفارة الهندية في الخرطوم لأن رب العمل محبوس على ذمة التفكيك، وأرصدة الشركة مجمدة ولا يستطيعون تقاضى مرتباتهم، ويخشون العودة إلى بلادهم لأن حقوقهم ربما تضيع لو غادروا.
لو قلنا أن هنالك عرض من رئاسة تشوبيس في بوتسونا لافتتاح مول في الخرطوم وليس مجرد “هايبر ماركت” ستندلع موجة عنيفة في الفيسبوك أن هذا بيع للسودان، والسؤال هو لو ذهب سوداني إلى بوتسانا وأراد فتح سلسلة مطاعم مثلا هل سيرفض أحد طلبه وهل تندلع موجة في الفيسبوك ضده؟
هذا هو الفرق، وهذه هي ثمرات رؤوس الأموال الهندية في بلدان باتت أقوى من السودان إقتصاديا بمراحل مع أنها نالت استقلالها من الأساس في الستينات بعد أن جربنا الديموقراطية ثم شمولية ابراهيم عبود، ثم ثورة اكتوبر، وكله ما نفع.

صحيفة الانتباهة