مقالات متنوعة

علي مهدي يكتب :السودان والمنظمات الإقليمية والدولية الفنية

الاتحاد العام للفنانين العرب وما خرجت منه من اتّحادات نوعية للفنانين، المسرحيين، الموسيقيين، التشكيليين، المُنتجين والعرائس

نظرة ثم أخرى للتواريخ المجيدة في أقاصي الغرب الحبيبة، تتجمّل نواحيها بفنون سودانية، تترك تأثيرها الراهن على مشهد القبول، وبناء الجسور بين أمريكا والسودان بغيرها السياسة، وذاك ما يَسُر ويسعد مع الفرح الغامر

عُدت يا سادتي منها، أقاصي الغرب الحبيبة، بعد أسابيع، أدخلتني بعد غياب بأسبابها الجائحة للمدن والجامعات الأمريكية في ايهاب فكرها المستنير، المتعدد، بتنوع فاتن ولافت، تلمح فيه قبول الآخر، وتنامي الآخر مع المقبول، ليصنع فضاء التراضي عبرها الفنون، الفنون، كل الفنون تصنع الممكن بلا انحياز، وتفتح الفرص المُتناهية للمُمكن، ما كان وما سوف يكون في مستقبل العام قبل الخاص. وتقف حيالها أصعب التعقيدات بلا حيلة، فلا السياسي والسياسة تباعد بين الناس، كل الناس في بعض الأوقات، ولكنها بقدر ما تستطيع تصنع في مسببات الفرقة، وتعمل على تأكيد الاختلاف، كل أشكالها الاختلافات.

عُدت يا سادتي وأمريكا التي عرفتها أول مرة قبيل أكثر من أربعة عقود في حالها الذي أعرف، أعني الناس فيها، والاستعداد المُتنامي لقبول الآخرين، يا مرحباً الحال مع الأحوال، ولا معنى لتعود للوراء أكثر من تواريخ البدايات في التأسيس. فتلك حكاية أخرى، راجعتها وكما كتبت في دهاليزي الماضيات عنها الرحلة الأخيرة وبعد غياب قهري والجائحات حاضرة. وما كانت لي فيها من أيام راحة للنفس، نعم ارتاحت، وقد أحببت أن تكون دوماً حاضرة لا شاهدة فحسب، خاصة وان بعض من عملت معهم أول مرة في خواتيم سبعينات القرن الماضي مضوا إلى شؤون غير بعيدة عنها الفنون، ما كان لها أن تكون دون تلك الإشارات الخفية الأجمل، فافتح الآن أبواب الذاكرة، وقد تحدّثت في واحدة من لقاءات مفتوحة كانت للمُشاركين وبعض طلاب الفنون في الجامعة الأحب (جورج تاون في واشنطن) جلس أعضاء المجمع الكبير، وقد قدموا من بلدانٍ مُختلفةٍ، وتنوّعت مصادر ثقافتهم، لكن (معمل الفن والسياسة)، يربط تلك الأيام بيننا، وإن غبنا عن موعدنا الدوري لعامين. قلت يومها وطلابي قد كانوا أكثر في الحضور، وقفوا للمشاركين من أنحاء المعمورة، وجلسوا على الارض، وتذكّروا التمارين، بعضها للإحياء ولتفاصيل التناغم بين العقل والجسد، ولم يكن لغير الرقص ميزانٌ. فقلت عنها تفاصيل المُشاركات، وقطعاً لا تتاح للجميع، ووقفت من كانت هنا بيننا في البقعة المُباركة، ترأس أكبر وفد فني (أمريكي) يزور البلاد بعد أكثر من ستة عقود أو أكثر، وشهدت يومها العرض القادم من (سان فرانسيسكو) اكثر من خمسة آلاف متفرج في المسرح القومي السوداني في أم درمان البقعة المباركة، وكان ضيوفنا من السفارة الأمريكية وسفارات غربية أخرى، حضور ذاك العرض، والوفد الأمريكي الكبير، ثمانية من المُبدعين والعلماء والإداريين، يمثلون ثلاث مؤسسات امريكية بالغة التأثير على مشهد العلاقات الثنائية بين بلدينا وفي أفريقيا، واذا أحببت في الشرق الأوسط، بكل تعقيدات تلك الأيام، ولا تزال الحال هي ذات الحال، إلا لمن ظن بالفن خيرا وقدرة على التغيير والإسهام. قلت قولي ذاك للحاضرين، وبعضهم طلابي من قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة ، والبعض من مبدعي ومفكري العالم، نعم كان يجلس يومها الصديق والكاتب صاحب (نوبل) النايجري (ولي شوينك) والابتسامة عندة تتسع كلما احلت إليه سؤالاً عن أوضاع أفريقيا الراهنة، وله في السياسة حكاياتها وأخرى منها ما نتشارك فيه، يوم وقفت معك في مدينة (روما) وإيطاليا والغرب الأوروبي يحتفي به، ويمنح واحدة من أهم الجوائز العالمية، وتشاركنا في تعزيز المفهوم، بعد التعبير المؤثر (الفكر والثقافة والفنون جسر التواصل مع الآخر، أين كان الآخر وفي أي اتجاه). وتلك هي النظر وذاك هو الآخر، الذي أذهب إليه الأسبوع القادم أعود لها أمريكا للمشاركة في المؤتمر العام لمجموعة مسرح الاتصال الأمريكي (TCG) وقد كنت حريصًا على المشاركة الشخصية أو بتقديم عروض لفرقة البقعة التمثيلية كما فعلنا في العام 2009 في مدينة (بلتمور) يوم قدمنا فرجة (بوتقة سنار) وكان ذاك الصباح أول عرض مسرحي سوداني تستضيفه مؤسسة ثقافية وفنية أمريكية وتلك حكاية مختلفة وهو امر دهليزي هذا الأسبوع أمهد به بعودتي الى نيويورك ومنها الى بنسلفانيا الجميلة قطعاً. الأسبوع القادم إن شاء الودود.

كيف كانت للسودان عبر مبدعين مشاركات كبرى؟ لا في تقديم العروض الفنية، ولكن في بناء وتأسيس المنظمات الفنية الإقليمية والدولية، وهي فرصة أن أعود الى أوراقي، ما احفظ هنا في البقعة المباركة، وفي مكاتب لي أخرى ما بين (باريس وشنغهاي) بعض أوراقي، منها نسخ هناك، ثم في ذاكرة شركة مهدي للفنون، وبعض المؤسسات الشريكة الأخرى.

ويكون عندي أن أول اتصال بين مبدعي السودان والمنظمات الفنية العالمية للتواريخ المجيدة يوم حملت وبتكليف مشترك من الراحل المقيم الدكتور والشاعر المجيد محمد عبد الحي يوم كان مديراً لمصلحة الثقافة وكنت حديث الالتحاق بالوظيفة العامة في صيف عام 1977، كلفني بأن أطلب من المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو انضمام السودان الى الهيئة الدولية للمسرح ITI، وانضمام السودان الى المجلس الدولي للموسيقى IMC، وعزز ذلك بخطاب آخر من عميد معهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية الكاتب المسرحي الدكتور خالد المبارك أطال الله في عمره ونفعنا بعلمه وتلك للتاريخ المرة الأولى، والفكرة كانت من عندي وقد أكثرت وقتها من زيارة اللجنة الوطنية لليونسكو في مكتبها ومكتبتها العامرة وعلمت من المطبوعات ماهية هذه المجالس وأدوارها ودخلت ذاك الصباح المبنى الثاني لليونسكو وبعدها بعقود صرت اجلس فيه أميناً عاماً للهيئة الدولية للمسرح ITI ثم صوّرنا فيه بعض المشاهد لأول فيلم سوداني يصور في باريس كتبه الحبيب قصي السماني واخراج الحبيب الدكتور أبو بكر الشيخ، فيلم (روح الأعياد).

ومن يومها وبدعم كبير من السادات معالي الوزير والسفير وقتها أبو بكر عثمان وسعادة السفير الفاتح حمد وكان مندوب السودان لدى اليونسكو ثم الراحل معالي نائب مدير اليونسكو وقتها الدكتور بشير البكري في الخرطوم كان مولانا الدكتور دفع الله الحاج يوسف وزير التربية والتعليم ورئيس اللجنة الوطنية لليونسكو استكملت الإجراءات وأعلنت أول لجنة وطنية للموسيقى عضواً في المجلس الدولي للموسيقى IMC برئاسة البروفيسور علي المك والموسيقي جمعة جابر أميناً عاماً، ثم الدكتور خالد المبارك أول رئيس للجنة الوطنية للمسرح ITI والأستاذ الفاضل سعيد أميناً عاماً.

تلك كانت مشاركة السودان الأولى في المنظمات الدولية ومنها السيرة العطرة تمشي بين الناس، أسهمت بها شخوص المبدعين وكان لي يومها فرصة طيبة في المبادرة والمشاركة في التأسيس وعندي من الحكايات الكثير خاصة فيما يتصل بمنظمات إبداعية أخرى إقليمية وعالمية أخرى.

استجيب للدعوة الكريمة وأشارك في افتتاح أكبر مُلتقى للمسرح الأمريكي الأسابيع القادمة في (بنسلفانيا)، ثم أعود (نيويورك) للجامعة الأحب (كولومبيا) لها في برامج السلام وحقوق الإنسان إسهام تحقق منه الكثير، عبر مركزها الأشهر و(نيويورك) التي أحب فيها من البرامج الكثير.

أعود لمسرح (لماما) انظر في استكمال حوارنا لعرض سوداني جديد بعد غياب سنوات من عرضنا الأول في العام 2012.

انظر بتقدير كبير لجُهود تُبذل بين الشواطئ رغم بُعد المسافة، لكنها قطعاً ستدفع بالعمل المشترك لتحقيق رفاه الإنسان.

دهليزي الآخر من عندها هناك ممكن المُدن الأجمل تسهر ولا تنوم إلا قليلاً.

صحيفة الصيحة