مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: مفهوم الابتلاء

بقلم: محجوب مدني محجوب

الكثير يعتقد أن الابتلاء هو مجرد قبول الشر ورفض الخير.
هو استحسان الرذيلة واستقباح الفضيلة.
إن الابتلاء لا علاقة له إطلاقا بهذا الاعتقاد.
الابتلاء يعني أن المرء يعرض عليه الشر فتهواه نفسه؛ لأنه سهل؛ لأنه لا يحتاج لصبر أو جلد، ويعرض عليه الخير والبر فتستثقله نفسه، فتنفر منه لذلك، وتهرب منه، ويعجزها تطبيقه.
هذا المعنى يشمل الجميع:
الأفراد والجماعات والشركات والحكومات.
فمثال الأفراد كالقيام بالواجب تجاه الوالدين فهو لا يتحقق غالبا بسبب مجرد رفضه، وإنما بسبب كونه يحتاج لمجهود.
يحتاج لبذل.
يحتاج لصبر، وكل هذه الأمور تستثقلها النفس.
ومثال الجماعات كذلك فهي تحتاج لمجهود كتحقيق العدل، فهو يعني عدم التعاطف مع مجموعتي على حساب غيرها يعني عدم المحاباة من أجلها يعني عدم إيذاء الآخرين في سبيل رضاها، فكل هذه الأمور ثقيلة على النفس.
ومثال الشركات كالعمل على رفع أجور العاملين، فهذا يعني انخفاض دخل الشركة، فتطبيقه يتم كلما زاد دخل الشركة يزيد أجر العاملين، وهذا أمر تستثقله النفس ولا تطيقه.
أما الحكومات فما أقسى ابتلاؤها وما أصعبه!!!
إذ كيف تواجه من يهددها بأمنها؟
كيف تواجه من يهددها بجوعها وعطشها؟
وقبل كل ذلك كيف تواجه من يهددها بزوال حكمها؟
فمن السذاجة بمكان الاعتقاد بأن الخير يرفض بسبب خيريته أو بسبب حب الشر.
إن الحقيقة هي أن الخير يرفض؛ لأنه عصي على النفس؛ لأنه يحتاج لصبر؛ لأنه يحتاج لتحمل الأذى في حين أن الشر سهل كل السهولة، فهو لا يحتاج لكل ذلك، وبالتالي تحبه النفس.
فمن لا يطبق شرع الله ليس لأنه يرفضه وكفى بل يرفضه غالبا بسبب عجزه وضعفه وجبنه.
إذن مسألة قبول الشر ورفض الخير ليست مسألة اختيار بقدر ما هي مسألة تحمل وقدرات وإمكانيات ومميزات.
فأغلب الذين يعجزون عن الحصول على الخير يأتي ذلك بسبب ضعفهم لا بسبب اختيارهم.
هذا التفسير تضح أهميته في نوعية العلاج والوصفة التي تدل هؤلاء على عمل الخير.
فهم يحتاجون لنصيحة تمكنهم من حمل السلاح الذي يجعلهم ينتصرون على قوى الشر.
يحتاجون للقوة التي ينبغي أن يتحلوا بها.
لا ينصحون فقط بأن الخير جميل، وأن الخير عواقبه حميدة، وأن الخير نتائجه تختلف كل الاختلاف عن نتائج الشر، فهم في الغالب يدركون كل ذلك، وفي الغالب ليس هذا سبب عدم حصولهم على الخير.
سبب عدم حصولهم عليه هو حبهم لهوى نفسهم وعجزهم وضعفهم.
وهذه الحقيقة قد أدركها الشاعر حين قال:
لولا المشقة ساد الناس كلهم.
الجود يفقر والإقدام قتال.

صحيفة الانتياهة