مقالات متنوعة

حوار لجان المقاومة وجدل الكتلة الحرجة

من يطلع على محادثات مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون القرن الأفريقي، مولي في، القائمة بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم مع لجان مقاومة منطقة الخرطوم وبعض الولايات (التي تحصلت عليها من مصدر مطلع) يأمل في ألا تكون تلك الردود التي سمعتها السيدة “مولي في” من لجان المقاومة ردوداً نهائية.

تنسيقيات لجان المقاومة التي شاركت في الحوار هي: تجمع لجان تنسيقية شرق النيل جنوب – تنسيقية لجان أحياء بحري، وتنسيقيات: الحاج يوسف – الأربعين – الموردة – الفيل – العرضة (لجان أحياء أمبدة اعتذروا عن الحضور بسبب حادثة سير أثناء ذهابهم للقاء لكنهم فوضوا زملاءهم)- لم يتمكن ممثل لجان مدينة الخرطوم من الحضور لتأخرهم في الموعد.

كان اللقاء قبل أسبوع يوم الثلاثاء الماضي، في 7 يونيو (حزيران) الحالي.

في البداية، ابتدرت النقاش مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون القرن الأفريقي مولي في، وعرّفت عن نفسها، قائلةً “إنها دعت لهذا الاجتماع لتوضيح أسباب وجودهم في السودان ودورهم (أي الأميركيون)، كما أنها تود أن تعرف رؤية شباب الثورة في الوضع السياسي الراهن”. وواصلت حديثها “منذ نحو ثمانية أشهر، تقريباً، من الانقلاب وهم – أي الأميركيون – قلقون جداً بشأن الوضع الاقتصادي في البلاد. فكما هو معلوم أنه منذ الانقلاب في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تم وقف كل الدعم والمنح الدولية عن السودان، وكما نعلم فإن الحكومة السابقة -تقصد حكومة البشير- أغرقت السودان في كثير من الديون، وعملت الحكومة الأميركية مع حكومة الفترة الانتقالية على تخفيفها لكن هذا الدعم أيضاً توقف بعد الانقلاب، كما أن صندوق النقد الدولي أوقف دعمه وأوقفت الحكومة الأميركية مبلغ 700 مليون دولار خُصصت لدعم الانتقال. ولكن حالياً في ظل وجود حرب بين روسيا وأوكرانيا فقد أثرت في أسعار البنزين والحبوب والمعززات الزراعية في كل دول العالم وتحديداً في أفريقيا والسودان، وقرأتُ في تقرير الأمم المتحدة أنه في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل هناك ما يقارب 18 مليون سوداني سيكونون مهددين بالجوع، وهو رقم مخيف”.

بعد ذلك، أشادت مولي في بدور “لجان المقاومة” في سبيل استعادة الديمقراطية والحكم المدني. وقالت “بصفتي مسؤولة عن الشؤون الأفريقية فقد رأيت التغييرات السياسية في معظم الدول الأفريقية واستيلاء العسكر فيها على السلطة والجهود المدنية في تلك الدول لاستعادة الحكم المدني، لكن في كل تلك المواقع والبلدان الأفريقية لا يوجد حركة شبابية مثلكم، وهذا أمر مثير للإعجاب، وأرجو أن تكونوا مؤمنين بأننا في صفكم وأننا أوقفنا الدعم المادي عن الحكومة الحالية لكننا فقط قلقون في شأن الوضع الاقتصادي، كما نعلم بأن هناك انشقاقاً بين الدعم السريع والجيش ونخشى انفجار الأوضاع لديكم… هذا كل ما أردت توضيحه وأود أن أسمع منكم”.

كانت تلك الكلمات هي بداية حديث مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون القرن الأفريقي مولي في، وواضح جداً أنها عبرت عن فكرتها بطريقة عميقة ومحددة تحمل إنذاراً مضمراً بعواقب وخيمة قد تحيط بالسودان في ظل استمرار هذا الانقلاب.

رد لجان المقاومة

وقال أحد ممثلي التنسيقيات “إننا نقدر دوركم في دعم التحول الديمقراطي وعزل الحكومة الحالية، ونحن نؤكد أننا ماضون في سلميتنا، وأود أن أوضح أن طبيعة الشعب السوداني تقيه من المخاوف التي تساوركم في شأن الانشقاقات الداخلية (من دون أن يوضح الكيفية!) كما أننا ندرك سوء الوضع الاقتصادي لكنه أفضل لنا من وجود هذه الطغمة وما تمارسه من عنف وقمع، لكننا نتساءل: ماذا قد تكون رد فعل الثكالى والأرامل وكل المكلومين عند رؤيتهم هؤلاء المجرمين مرةً أخرى على سدة الحكم (مع أنه من الواضح أن مولي في لم تقل لهم إن البرهان وحميدتي سيبقيان في الحكم وإنما دعتهم فقط إلى الحوار) لن يقبل الشارع هذا الأمر وسيقوم بالتصعيد ضده”. ثم أضاف المندوب “كما أن الوجود الروسي وتبادل المصالح مع الدعم السريع بتهريب الذهب مقابل السلاح ومصالح أخرى يؤدي إلى دخول السودان في صراع قوى لا نود أن نكون جزءاً منه، لأنه يخدم أجندة الروس في التوغل (لكن هذا المندوب أيضاً لم يبين كيف يمكن إيقاف التوغل الروسي من دون ضغط أميركي، وكيف يكون هناك ضغط أميركي من دون حكومة مدنية).

أحد المندوبين من لجان المقاومة قال “نرحب بكم مرة أخرى ونشيد بدوركم الذي تلعبونه في السودان، لكن ما أود أن أشير إليه هو قلقنا إزاء وجود الاتحاد الأفريقي في الآلية الثلاثية، لعلمنا أن معظم هذه الدول الأفريقية تدعم الانقلابات العسكرية والحكم الديكتاتوري”، وحين استفهمت منه مولي في سائلةً “حتى بعد أن جمد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان؟”، أجابها ممثل إحدى الولايات من لجان المقاومة “نعم ندرك أن هذه خطوة إيجابية لكننا لسنا على ثقة تامة بهم، كما أننا نرى عدم توازن للقوى داخل الآلية الثلاثية ونود أن يتم دعم اليونيتامس (أي البعثة الأممية المتكاملة للسودان بقيادة فولكر بيرتس) من قبل الحكومة الأميركية، وزيادة عدد ممثلي البعثة لكي يتمكنوا من الوصول إلى أصحاب المصلحة الحقيقية”، فأجابته المسؤولة الأميركية، “فقط أود أن أشير إلى أنني طلبت حقاً زيادة العضوية في اليونيتامس”. أحد أعضاء اللجان قال إن “المجلس العسكري ارتكب جرائم كبيرة ولا يعتبر أهلاً للثقة. ولا توجد ضمانات حقيقية لعدم انقلابهم مرةً أخرى على الشرعية، كما أن نهبهم خيرات البلاد وصفقات الذهب المشبوهة كلها تؤدي إلى تردي الأوضاع الاقتصادية. كما نشير إلى أن الآلية الثلاثية تقوم بخلق أجسام مدنية موازية شارك بعضها في الحكومة السابقة (مع أن الذي قام بخلق الأجسام الموالية هم العسكر، لأن وظيفة الآلية هي جمع الفرقاء وإتاحة الفرصة لهم للتحاور، ولكن حتى هذا الأمر في ضوء تأجيل الآلية للحوار إلى أجل غير مسمى يشي ربما بأن ثمة اتجاهاً لتحييد هذه الأجسام).

كما طلبت بعض اللجان من مولي في أن يتم دعم السودان من طرف الولايات المتحدة والنظر إليه كحالة استثنائية في المنطقة وبمعزل عن دولها، الأمر الذي دفع بمساعدة وزير الخارجية الأميركي إلى أن ترد بالتالي “أولاً إننا سنستمر في دعمنا التحول الديمقراطي والحراك السلمي والحوار الذي سيبدأ غداً (تقصد الحوار الذي تم يوم الأربعاء 8 يونيو مع مكونات داعمة للعسكر وبعض الأحزاب السياسية من غير الحرية والتغيير والذي تم تأجيله إلى أجل غير مسمى) هو مجرد بدايات وليس له أهمية بالغة… لقد شهدنا بأنفسنا السعودية توقف الدعم المادي عن الانقلابيين. وكذلك يصعب علينا التركيز على السودان بمعزل عن الدول التي تجاوره… وإننا على الرغم من ضغطنا المستمر نرى العسكر يصرون على موقفهم. كما أننا لا نستطيع الضغط بالبند السابع لوجود دول أخرى قد تستخدم حق الفيتو، لذا فإننا نؤكد ضرورة الحوار لأنني وبعد المحادثات التي قمت بها مع معظم المكونات المدنية أرى أنكم متفقون على الأهداف وفي رفضكم الانقلاب العسكري، لذا فإنني أرى أن الحوار سيعلي الصوت المدني والأهداف النبيلة على الأصوات الأخرى، فقد عانى السودان 30 عاماً من الحكم العسكري، لذا فأنا أشبهه بالشجرة الكبيرة ذات الجذور العميقة التي تحتاج إلى قوة لاقتلاعها، كما أنني أتفق معكم: أنه ليست كل الدول داخل الأمم المتحدة تدعم الخيار المدني. وفي الختام نحن نؤكد دعمنا لكم ونشيد بحراككم السلمي على الرغم مما تواجهونه من قمع، وأؤكد لكم أن العملية التفاوضية ليست مثالية لكنها خطوة في اتجاه التغيير”.
الفكر والرؤية
وهكذا مضت ردود ممثلي لجان المقاومة في اتجاه بدا من الواضح أنه لا يعبر عن طبيعة تفكير سياسي واضح ورؤية متماسكة في القدرة على قراءة المشهد الحرج للحالة السودانية من جميع الزوايا داخلياً وخارجياً (في الأقل في الإجابات التي جاءت عبر إفاداتهم في هذا اللقاء) فما أوضحته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون القرن الأفريقي كان حيثيات قوية تدل على الانسدادات التي ستقف أمام أي تعنت أو رفض لفرصة الحوار، كما أن أي متأمل في كلامها الدقيق، وإن جاء بصورة دبلوماسية، سيجد أنها تبين للجان المقاومة أن أفضل سبيل هو الحوارـ لكن المفارقة ونظراً إلى الطبيعة الحدية والنظرة الأيديولوجية للصراع والإحساس الصفري بحدود التناقض في تصور “لجان المقاومة” بدا من فهمهم لما قالته مولي في أن الحوار مع العسكر معناه فقط القبول بحكمهم مرة ثانية (مع أنها لم تشر إلى ذلك من قريب أو بعيد). وهذه الطريقة في النظر إلى القضايا السياسية ستلحق ضرراً كبيراً بالمصائر التي يمكن أن يفضي إليها الصراع الصفري بين الأطراف في السودان. ولهذا كان الاختراق الذي حققته “قوى الحرية والتغيير” بعد يوم من لقاء الآلية الثلاثية الأربعاء (8 يونيو)، حيث تم دعوة قوى الحرية والتغيير إلى لقاء من طرف مولي في والسفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن جعفر بمنزله في الخرطوم (وهو لقاء ضم ممثلين من العسكر ومن الحرية والتغيير)، فقد جاء لقاء الخميس (9 يونيو) إشارة قويةً لفحوى الحوار الوحيد الذي يمكن القبول به مع العسكر، أي الحوار من أجل إجراءات إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة إلى مدنيين. وعلى الرغم من أن “قوى الحرية والتغيير” عقدت مؤتمراً صحافياً مساء الجمعة 10 يونيو الحالي، وضعت فيه النقاط على الحروف وكشفت خلاله عن طبيعة الحوار الذي جرى وأنه يتصل فقط بإجراءات إنهاء الانقلاب وإقامة حكومة مدنية، على الرغم من كل ذلك بدا موقف “لجان المقاومة” السلبي مؤشراً لافتاً من حيث عدم قدرته على تفهم ما تقتضيه لحظة الاصطفاف الحاسمة كلحظة تكتل القوى الثورية وصولاً إلى الكتلة الحرجة من أجل إسقاط انقلاب 25 أكتوبر، كما حدث في المرة الأولى في 11 أبريل 2019، لكن للأسف ثمة ما يبدو كتأثير من قوى سياسوية مضللة تشتغل بكل طاقتها الأيديولوجية لتفويت هذه اللحظة من الاصطفاف الضروري لعملية وحدة قوى الثورة وصولاً إلى “الكتلة الحرجة”، ونتصور أن الشيوعيين هم الذي يقفون وراء تلك التأثيرات المضللة على قطاع من “لجان المقاومة” للأسف، لا سيما أن نمط التعبئة الذي يبرع فيه الشيوعيون في لحظات الحراك الثوري وما يتصل به من قدرات ومهارات بدا كما لو أنه تعبير وحيد عن هوية الثورة في السياسة، ونتيجة لهذا التشويش والخلط بين مهارة التعبير السياسي للثورة من خلال اقتناص لحظات ضعف السلطة والضغط بتوحيد الموقف الثوري لتسلمها، وتصور الثورة على أنها نضال غنائي أبدي يعتمد تكتيك التعبئة في كل الأوقات، يبدو أن لجان المقاومة هنا قد تلعب أدواراً في الاتجاه الخطأ الذي قد يبطئ من خطوات تسلم السلطة.

حتى الآن يسري اعتقاد في أوساط كثيرين بمن فيهم لجان المقاومة، أن عودة “قوى الحرية والتغيير” مرة ثانية هدفها أيضاً تسلم السلطة وإعادة إنتاج مرحلة ما قبل 25 أكتوبر الماضي، على الرغم من تصريح لأحد قادة قوى الحرية والتغيير (هو محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السابق) بأن “قوى الحرية والتغيير تريد فقط عودة حكومة مدنية من التكنوقراط بعد تنازل العسكر عن السلطة”. وفي تقديرنا أن تصريح محمد الفكي سليمان هذا ينبغي أن يكون مؤشراً واضحاً للجان المقاومة، فضلاً عن المؤتمر الصحافي الذي تحدث فيه المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني. وقال فيه بوضوح، “إن قوى الحرية والتغيير أكدت رفضها أي تسوية سياسية لا تنهي الانقلاب العسكري”.

نتصور أنه من الأهمية بمكان أن تظل “قوى الحرية والتغيير” قادرة باستمرار على إدارة حوار معمق مع لجان المقاومة مهما كان شاقاً وعسيراً، نظراً إلى الأهداف الواحدة والموقف الواحد والواضح من الانقلاب لدى الطرفين. كما نقترح أن تقوم نخبة من المفكرين السودانيين الذين يملكون رصيداً ثورياً وطنياً مستقلاً، من أمثال المفكر السوداني الحاج وراق وآخرين، لإدارة حوار يقرب المواقف بين “قوى الحرية والتغيير” و”لجان المقاومة” وأن يتم السعي إلى إعلان مبادئ بينهما لاستئناف العمل الثوري ما قبل يوم 30 يونيو المقبل، ليكون ذلك الإعلان بمثابة زخم ثوري جديدة للتسريع بإسقاط الانقلابيين كحد أقصى بحلول 30 يونيو المقبل.

وعلى الرغم من الوعي المتميز لبعض أعضاء لجان المقاومة، بحسب ما كشفت عنه تصريحات بعضهم لـ”اندبندنت عربية” حين تمثل ذلك البعض في حرصه، بنموذج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي ظل يطالب بالحوار والتفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حتى في ظل وقوع بلاده تحت قسوة القصف والغزو الروسي، لكل ذلك فإن المزيد من التحاور ومواصلة الحوار والدفع بحججه مع لجان المقاومة من جميع القوى الحريصة على إسقاط الانقلاب يظل من الأهمية بمكان.

محمد جميل احمد
إندبندنت عربية