رأي ومقالات

الشواني: حقائق ضد الأوهام.. لمن يريد أن يعرف ماذا يحدث في السودان ؟


يوم ٣٠ يونيو الذي سمي يوم (الخلاص الوطني) سيذهب لذاكرة النسيان كما ذهب يوم ٦ إبريل الماضي والذي سمي يوم (الزلزال). إن تكرار ذات الأساليب وبذات العقلية وبنفس المقدمات، لن ينتج أي شيء جديد. ومن يصر على ذلك يجب أن نشك في سلامة عقله! مالذي كان من الممكن أن يحدث اليوم؟ ضابط جديد يقوم بانقلاب على البرهان مثلا، ليسلم السلطة كاملة لقوى الثورة الحية التي خرجت للشارع؟ من هذا الضابط؟ ومن هي قوى الثورة الحية؟ وماهي هذه السلطة؟ ما هي الصيغ والآليات والبرامج للحكم؟ ثم من هم أصحاب الحق في التمثيل السياسي representation وماهي الوكالة والجهة التي يتم عبرها التمثيل Agency

كل هذه الأسئلة وغيرها كثير تؤكد حقائق بسيطة من لا يعترف بها فهو مجرد شخص متطرف، أو شخص يعاني من خلل عقلي. علينا الاعتراف بهاتين الحقيقتين:

أ- لا توجد جهة واحدة تمثل كل الشعب. من خرجوا اليوم لا يمثلون سوى فئات محدودة موجودة في العاصمة وبعض المدن، بل من خرج اليوم لا يمثلون موقف واحد، ومن يقرأ بيان الحزب الشيوعي اليوم مثلا ضد (قحت) التي تتفاوض مع العسكر يرى ذلك بوضوح، ومن يعرف مدى الخلافات داخل لجان المقاومة على مواثيق سياسية ركيكة وعلى نفوذ حزبي لحزب أو آخر سيرى ذلك أيضا، ومن يتابع مواقف بقية الأحزاب السياسية والتيارات سيتأكد من ذلك. أما الذين لم يخرجوا ويرفضون هذه العقلية من الأساس وهم غالب الشعب السوداني، فهم أيضا لا يمثلون موقفا واحدا، ولا تمثلهم جهة واحدة. يجب الاعتراف بأن مواقف كثيرة جدا لا حصر لها دائما ما يتم قمعها وتجاهلها بل ورفض وجودها، وذلك من أجل فرض ادعاء تمثيل واحد لصوت واحد يسمونه الشارع. عليه لا تحمل عبارات فارغة مثل (قوى الثورة الحية) أي معنى.

ب- تتنوع المواقف السياسية بسبب تناقضات موجودة في الواقع الاجتماعي، وهي تناقضات تصل للحد الذي يمكننا من رؤية موقف لفئات ضخمة بالآلاف منزعجة ورافضة لخيار الشارع وطريقته وتراها مجرد عبث وازعاج لا طائل من ورائه سوى الموت. بل هناك فئات أخرى ترفض حتى أن تحكم البلاد بالعقلية التي تسود في الشارع والشباب الثوري، ويرون في ذلك تهديد حقيقي وضياع لثوابت يؤمنون بها. إذن تنوع المواقف السياسية هو معطى أصيل وموضوعي نابع من تناقضات الواقع، وهذا فهم بعيد عن التراشق اللفظي والأخلاقي والمزايدات المنافقة.
على ذلك ومن خلال الاعتراف الجماعي بالحقيقتين السابقتين، حقيقة (عدم وجود تمثيل واحد لرأي الشعب) وحقيقة أن (تنوع المواقف ناتج من تناقضات وخلافات طبيعية موجودة في الواقع). نقول من خلال الاعتراف بكل ذلك ستكون النتائج واضحة وبسيطة وهي:

أ- الحوار السياسي الشامل بين الجميع ولا يستثنى أي أحد.
ب- التوافق الدستوري على ترتيبات موضوعية لحكم انتقالي.
ج- التوافق السياسي على مبادئ عامة تخاطب قضايا كبيرة مثل: الانتخابات، السلام، الدستور الدائم.

أما عدم الاعتراف بهذه الحقائق والإصرار الطفولي العصابي المتطرف على رفع التوتر لمداه الأقصى، ورفع السقوفات عبر ادعاء فارغ بالجذرية والحسم؛ سيقود في المقابل للإصرار المعاكس على مواقف حادة مضادة. وبذلك سنقود بلادنا نحو تفجير حدة التناقضات، بما يهدد كل مكتسب سوداني سياسي واجتماعي ومؤسسي، وننتهي لدمار مطلق. وهذا الخيار بالنسبة لنا مرفوض من كل زوايا النظر وأولها الزاوية الأخلاقية التي يحكمها الضمير.

هذه حقائق بسيطة يجب الاعتراف بها وأخذها بمحمل الجد بعيدا عن أوهام التناول العاطفي والهتافي للأمور.
ليحفظ الله البلاد والعباد، ويهدينا جميعا للحق.
والله أكبر والعزة للسودان.

هشام الشواني