رأي ومقالات

مشكلة السودان حلها في التسوية الشاملة ومن يرفض هذه التسوية فهو ضد هذا الشعب


التملق والتكسب” الرخيص “!
ثورة ديسمبر هذه لم يضيعها سوى التملُّق و التكسُّب الرخيص بمجاراة ما يُسمى بالشارع. بدأ ذلك من تجمع المهنيين حين قال نحن عبارة عن مجرد صوت للجماهير و خدام لها، و استمر الأمر مع انسياق الحرية و التغيير مع ما يطلبه الشارع، لم تلعب دور القيادة الحقيقية التي تفكر بواقعية و تطرح الحلول لتقود الشارع لا لكي يقودها هو.
الشارع ليس تنظيماً و هو لا يشبه آلة تفكير عملاقة تعمل بعقلانية لتنتج و تقترح الحلول، هو لا يطرح حلاً، و لا يمكنه أن ينتج رؤية سياسية، هذه مهمة المؤسسات السياسية المحترفة. إيجاد حل و مخرج من الأزمة ليس عملية بسيطة عفوية تأتي بها الجماهير. الجماهير قد تكون على خطأ كلياً. مهمة السياسي أن يطرح الحلول، و على الآخرين أن يناقشوها، يرفضوها او يقبلوها او تتطور من خلال الجدل و التدافع، هذه هي مهمة السياسة.
التغزل في الشباب و جسارتهم و تكرار القول بأنهم اصحاب قضية هذا لا يقدم حلاً، لا يفيد البلد ولا يفيد الشباب، و لا يحقق سوى كسب زائف و زائل.
السودان منذ أبريل 2019 كان بحاجة لأن يمضي في طريق التسوية السياسية الشاملة، لا يوجد مخرج آخر. و لكن قيادة الثورة حينها كانت أجبن و اضعف من أن ترى هذا الطريق، ناهيك عن تبنيه و طرحه و مواجهة الشارع بذلك و تحمل السخط و الهجوم من “الثوار”. هذا الطريق كان سيوفر على السودان الأثمان الباهظة التي دُفعت و تُدفع الآن، من إهدار للزمن و المصالح و الأرواح.
و الآن و بعد مرور كل هذا الوقت، ما يزال الكثيرون في نفس هذه النقطة، نقطة الجبن و التكسب من الصوابية الثورية الزائفة. أنا أحترم و اتفهم شخص جذري لا يؤمن من حيث المبدأ بالحل السياسي، و لكن لا أتفهم و لا أحترم شخص يعرف في قرارة نفسه ما هو الطريق السليم و لكنه يخاف على رصيد سياسي أو يبحث عن رصيد سياسي رخيص.
مهمة السياسي هي أن يطرح ما يعتقد أنه حل، و هذا الحل إما أن يرفضه الناس أو يقبلوه. لا أن ينتظر من مجموعة أطفال لم يبلغوا الحلم أن يغيروا له الواقع، هؤلاء الأولاد مهما بلغ عددهم لن يغيروا اي شيء، و هذا ما يجب أن يسمعوه بدلاً من هذا هذا النفاق و التملق الذي لا يقودهم إلا إلى الهلاك و من أجل لا شيء.
مشكلة السودان حلها في التسوية الشاملة، و من يرفض هذه التسوية فهو ضد هذا الشعب، و ضد الوطن، و هو عدو تجب محاربته و هزيمته، لأنه يعمل على فرض رؤية جزئية على شعب كامل عبر وسائل ثورية، و هذه الوسائل بقدر ما هي ثورية فهي غير مقدسة، ليس هناك أي قداسة في انحياز ضباط من عبر انقلاب إلى احتجاجات منظمة، إنه مجرد صراع، مثل اي صراع بشري مفرط في البشرية، و هو ليس فعلاً مقدساً، و الأهم أنه لا يقود إلى حل نهائي و حاسم. الاستيلاء على السلطة بواسطة مجوعة ثورية لا يمثل، من حيث المبدأ، مخرجاً من الأزمة الحالية، و لذلك فهو خيار يجب نقده و إدانته لصالح خيار التوافق الشامل، و الذي يمثل المخرج الوحيد.

حليم عباس