مواكب 30 يونيو: حصد النتائج بين مشاركة وإستصحاب وإستهداف
(1) راجعت تعليقاتي على مواكب ٢٠٢٠م و٢٠٢١م، ولاحظت فروقات وتغييرات كثيرة..
اولا: حظت تراجع المشاركة الشعبية من حيث تنوعها وإنتشارها وفاعليتها مع إزدياد حدة المواجهات بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين، بل تحول الأمر إلى ترسانة من المعدات والدروع والمجموعات ذات التنسيق العالي وقدرات أكبر، وبعض التمركزات اخذ الأمر طابعاً عنيفاً وصاخباً..
و الملاحظة الثانية قلة الإهتمام الإعلامي العالمي ، مع كثافة المتابعة الدبلوماسية ، فقد عبرت مؤسسات أممية وبعثات وسفارات عن مطالبها ودعمها قبل وأثناء وبعد المواكب.. وهذا يشير إلي رهانات دولية كبيرة لإحداث تغيير في الراهن السياسي، مع تأكيد أكبر للدور الأجنبي وطابع الجرأة في التعبير والإشارات..
و الملاحظة الثالثة، هو حالة الإستقطاب الشديد في الساحة السياسية والتصادم الخطابي، حيث لم يكن هناك حد أدنى حول مقصد وهدف التظاهر ، وشن الحزب الشيوعي هجوماً عنيفاً على مجموعة (الهبوط الناعم) وأشار صراحة إلى حزبي الأمة القومي والمؤتمر السوداني..
جاء هجوم الشيوعي على خلفية حديث د. عمر الدقير (حزب المؤتمر السوداني) وفولكر بيرتس رئيس بعثة اليونتاميس، بأن الحوار بين المكون العسكري وقوي الحرية والتغيير ناقش ٨٠٪ من القضايا الخلافية..
وهذا يؤكد تباعد مواقف القوى السياسية، فبينما يسعى الشيوعي وآخرين لإسقاط السلطة الراهنة، فإن قوي الحرية والتغيير تود ان تؤكد على قوتها وفاعليتها و (تعزز) حظوظها في عودة الشراكة السياسية مع العسكر..
(2)
هذا الخيار الاخير، رهان عودة الشراكة الثنائية، جاء صراحة في تصريح للمبعوث الأممي فولكر بيرتس حين قال (لسنا محايدين بخصوص العودة للوضع الدستوري)، أي عودة العلاقة بين المكون العسكري وقوي الحرية والتغيير..
ولعل هناك أكثر من دافع لذلك، أهمها إعادة (ترميم) الحاضنة السياسية بما يحقق التوازن بين وجود المكون العسكري كضامن للمرحلة وحظوة إقليمية، وبين مطالب غربية وأمنية راغبة في تمكين هذه المجموعة من مفاصل الحكم في السودان..
وفوق كل ذلك، فإن هذه الشراكة تقطع الطريق أمام مشاركة قوي سياسية غير مرحب بها..
ومع فترة إنتقالية طويلة، وحكومة مدعومة دولياً، فإن تغييرات كثيرة يمكن أن تحدث..
(3)
ولعل الغائب الأكثر بروزاً في المواكب على مدى هذه الأعوام :
– هو المواطن وقضاياه ومعناته اليومية مع صراع فوضوي، دون مراعاة لظرف معيشي حرج وواقع صحي مزري وإهتزاز صورة الدولة ومؤسساتها، هو المواطن في مواقع الإنتاج والبنية التحتية.. لقد غابت مشروعات التنمية وغابت مصالح المواطن العام، والأكثر غرابة هو غياب حقه في تعبير مأمون عن رأيه بالإنتخاب..
– والغائب الثاني هو المكون العسكري ، بخطابه السياسي وطرحه وبدائله في لحظة تشير إلى غياب الحلول وإنسداد الأفق السياسي، ولم يعد كافياً حشد آليات وزيادة المظهر العسكري، وإغلاق الجسور وقطع الإنترنت، وإنما تقديم تصور واضح للمرحلة وبدء خطوات عملية..
إن المراهنة على (مرور الزمن) اغري دول ومجموعات على التدخل لتسريع الحلول وفق قناعاتها وهو عودة ما أسموه (الوضع الدستوري).. ولذلك تم تأخير حوار الآلية الثلاثية، لفتح المجال للحوار الثنائي..
و الغائب الثالث هو بقية القوى السياسية والقوي الإجتماعية الحية، والذين رضوا بحوار الآلية الثلاثية ويبدو ان الواقع يتجاوزهم الان، وربما يتم إستصحابهم بنسبة (سلطوية) محدودة..
وبقدر ان هذه الحلول ماضية، فإنها تفتح صراع جديد بينها ورافضي التسوية (الشيوعي وآخرين)، وبينها وبين التيار الوطني والإسلامي (المستثني) في المرحلة الراهنة وقد يكون (المستهدف) في قادم الأيام..
د. إبراهيم الصديق على