مقالات متنوعة

محجوب مدني يكتب: (الانقلاب) ذلك الفعل المحمود المذموم


محجوب مدني محجوب

لا أحد ممن يتصدر المشهد السياسي يقبل بأن يقال عنه (انقلابي) هذه الكلمة باتفاق الجميع كلمة منبوذة مكروهة الكل يتبرأ منها.

فإن قام بها لا يتلفظ بها نفسها يستبدلها بمسميات أخرى، فأهل (مايو) وأهل (الإنقاذ) سموا انقلاباتهم (ثورات).

الكل يتحاشى كلمة (الانقلاب) وفي ذات الوقت الكل يتمنى نتائجه.

نتائجه تعني التحكم في مفاصل الدولة.

نتائجه تعني مصادرة ثروات ومقدرات البلد للجهة التي قامت بالانقلاب.

فلا أحد خارج مجموعته سوف تكون له موضع قدم داخل الحكومة.

ونتيجة لهذه المميزات فليس وحدهم العسكريون من يقوم بالانقلاب، فالأحزاب السياسية حتى ينالوا هذه المميزات، فهم كذلك حريصون كل الحرص على أن يسبقوا غيرهم بأي انقلاب يجعلهم يسيطرون به على مفاصل الدولة تحت أي غطاء وتحت أي اسم بغية إبعاد تهمة (الانقلاب) عنهم.

لا أحد ممن يتصدر المشهد السياسي الآن يريد أن يشاركه غيره في السلطة إلا مضطرا.

لا أحد يريد أن يستولى غيره على موارد البلد إلا مضطرا.

وهذه الرغبة لا تتماشى إلا مع الفعل الانقلابي وبالتالي، فالكل يسعى إليه لتحقيق أهدافه ويتحاشاه حتى لا يوسم به.

لن يستقيم حالنا إلا برفضنا للانقلابات فعلا وممارسة.

يستقيم حالنا حينما نقبل المشاركة في السلطة حينما نعترف بأحقية غيرنا في موارد وثروات البلد حينما لا نفكر في أنفسنا فقط.

كل من تحدثه نفسه بالانقلاب فهو شخص لا يمكن أن يمارس سياسة في يوم من الأيام إذ أن السياسة تعني الاعتراف والتنافس بين القوى المتعددة في الساحة.

أما الانقلاب فيوحي إلى صاحبه بأنه هو الوحيد في الساحة، ولا ينبغي أحد كائنا من كان أن يشاركه فيها.

مهما جمل وحسن من صورة الانقلاب فلا يوجد للانقلاب سوى وجه واحد.

وجه غاية في القبح والدمامة والفساد.

الانقلاب سواء اعترف به أصحابه أم لم يعترفوا، فهو يعني غياب الكفاءات عن العمل السياسي.

يعني انتشار كل الأمراض التي تفتك بالوطن من عنصرية وجهوية وأنانية وحب ذات تصل لدرجة الجنون والعظمة الموهومة.

عظمة قد تكون خافية تماما، فتظهر بعد ممارسة الحكم الانقلابي لتصل إلى أعلى مداها وإلى أقبح صورها، ودونكم كل حكم انقلابي لم يتنازل عن السلطة ولم يتخل عنها إلا بعد سيول من الدماء رغم أنه لم يرث هذه السلطة عن أجداده.

صحيفة الانتباهة