احمد يوسف التاي يكتب: رحيل اللجنة الأمنية…مدخل الحل
أمعنتُ النظر فيما يجري في بلادنا، فاهتديت إلى أن تعقيدات الأزمة الحالية التي تعيشها بلادنا ويصطلي بجحيمها السواد الأعظم من السودانيين تعود لأسباب واضحة، وهي ببساطة شديدة أن اللجنة الأمنية في 11 ابريل لم تكن صادقة في انحيازها للثوار بل كانت تناور وتراوغ من أجل الإلتفاف على الثورة، ولهذا نستطيع القول أن عدم جدية ومصداقية اللجنة الأمنية منذ البداية حفرت عميقاً جذور الأزمة، لكنها – أي اللجنة الأمنية – ولمزيد من الخداع والمخاتلة كانت تساير الجموع الثائرة، وتسبح مع تيارها الجارف وتتماهى معها لكسب ثقتها ليسهل خداعها إلى حين إتيان الفرصة المناسبة لإطفاء جذوة الثورة، فكان أول فعل للتخدير هو الإطاحة بالبشير والتضحية به ظناً منها أن الشعب يكتفي بكبش الفداء ذاك ، ثم انصاعت ظاهرياً لرغبة الشارع الثائر في إبعاد (ابن عوف) وبقية كوادر (الجبهة) الظاهرين مثل قوش، وزين العابدين ونحوهما إمعاناً في إبعاد شبهة الإنقلاب المخادع، وإمعاناً في التمويه والتماهي مع رغبة الثوار والسباحة في اتجاه التيار العام، وهو تيار جارف في وقته لن يستطيع أحد الوقوف أمامه، فاقتضت الخديعة السباحة معه إلى حين.
(2)
ومايؤكد عدم مصداقيتها وجديتها، أنه وبعد شهرين فقط ضاقت اللجنة الأمنية ذرعاً بالمعتصمين بمحيط القيادة، فكان الذي رآه العالم كله من تقتيل وفظائع يعف اللسان عن ذكر بعضها ،وتحت سمع وبصر الجيش..
وتبع ذلك حملة اقتحامات للبيوت واعتقالات وملاحقات واسعة داخل منازل الثوار، وإعلان تعليق الحوار السياسي والمفاوضات مع الشركاء المدنيين، عوضا عن تهدئة الخواطر..
(3)
وقبل أن تجف دماء مجزرة القيادة، عمدت اللجنة الأمنية إلى استقطاب القبائل، والإدارات الأهلية وحشدها بمعرض الخرطوم الدولي بغرض الحصول على تفويض للإنفراد بالسلطة، وتكوين حاضنة إجتماعية بديلة لقوى الحراك الثوري للإنفراد بالسلطة، وفي تلك الأثناء، وبينما جماعة المعرض تقبض ثمن الولاء والبيعة كانت مجموعات مجهولة الهوية تمحو بحقد وغل بائنين الجداريات لطمس معالم الثورة..إلا أن مواكب 30 يونيو 2019 قطعت الطريق أمام أكبر المؤامرات على الثورة، لتبدأ مرحلة جديدة من التآمر والوقوف في وجه التغيير بتقديم الدعم لما عُرف تندراً باعتصام، الموز، وقبله دعم تجمع قاعة الصداقة الذي حُشد له أنصار النظام المخلوع وكوادره، وطلاب الخلاوي، وغيرهم..
(4)
ثم جاءت مرحلة التمهيد للإنقضاض على سلطة المدنيين باعتصام القصر الجمهوري الذي حُشد له أيضاً انصار النظام المخلوع، وطلاب الخلاوي، وحركات سلام جوبا، كان اشبه بالاصطفاف الذي حدث بمعرض الخرطوم، وهو ظاهره توسيع ماعون المشاركة، وفي باطنه تفويض اللجنة الأمنية لإنقلاب 25 اكتوبر 2021.. وقد حدث الذي رجاه وتمناه اعتصام القصر الذي جمع إلى جانب الادارات الاهلية، الاحزاب المشاركة في نظام البشير حتى تأريخ سقوطه..
(5)
اعتصام القصر كان تمهيدا لإنقلاب 25 اكتوبر 2021، حيث نفذت اللجنة الأمنية إنقلاباً كامل الأركان ، فحلت الحكومة المدنية واعتقلت رئيس الوزراء والشركاء المدنيين، وفرضت سياسة الأمر الواقع واختارت من أرادت من الانصار والموالين، وبررت انقلابها بحجة توسيع المشاركة ، ولكن بدلاً عن التوسيع انغلقت على نفسها، وبدلاً إشراك الآخرين احتكرت السلطة لوحدها، وبدلاً عن قبول الآخر أقصت واستعدت الآخر وفجرت في الخصومة، فكانت النتائج مواجهات دامية مع الشعب، وتقتيل ومجازر وارتكاب الفظائع الذي ستزداد معدلاته يوماً بعد يوم، إلى أن تتحول اللجنة الأمنية الى (بشار) آخر في ماراثون تقتيل الشعب وإرهابه، وعلاوةً عن ذلك عزلة دولية ستزيد يوماً بعد يوم، وأزمات، وضائقات معيشية وغلاء سيتصاعد يوماً بعد يوم..
ما الحل إذن..
(6)
الحل في رأيي مبادرة وطنية تقتضي إبعاد اعضاء اللجنة الأمنية ومن جاءت بهم في مجلس السيادة والوزراء والولاة، واستبدال اعضائها بقادة عسكريين ليست لهم شبهة انتماء سياسي ، مع تقليص العدد، وتكوين شراكة انتقالية جديدة يشارك فيها الجيش بمهام الأمن والدفاع ، وحماية الحدود وإصدار القرارات الكفيلة بذلك دون التدخل من المدنيين، وإسناد مهام الحكم، والعلاقات الخارجية، وشئوت السيادة للمدنيين وحدهم دون التدخل من الجيش، وتشكيل مجلس وزراء من خبرات ليس لها إنتماء سياسي لأية جهة، واستكمال بقية هياكل الدولة، وإبعاد كل الأحزاب من السلطة بغية عدم التأثير على الفترة الانتقالية وجرها إلى بؤر الصراع السياسي الذي أفسد كل شيء..اللهم هذا قسمي فيما أملك.. نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة