بخاري بشير يكتب: البرهان (جهجه باكاتم)!
خطاب البرهان أمس الأول أبلغ وصف له بلغة أهل الكورة؛ (انو جهجه باكات الجماعة).. والجماعة أعني بهم (قوى التغيير ون)؛ الى جانب الحزب الشيوعي؛ ولجان المقاومة بتنسيقياتها المختلفة.. فالشاهد أن الساحة السياسية احتقنت لدرجة كانت قابلة للانفجار؛ وكل أحد له دراية بالسياسة كان يتوقع حدوث أمر ما.. خلال هذا الاحتقان الشديد.
وتختلف درجة الـ(شيء ما) بحسب درجة تفاؤل أو تشاؤم المتحدث؛ فالبعض كان يرى أن البرهان كرئيس للمجلس السيادي وكممسك بهيلمان السلطة؛ يتوجب عليه أن يتخذ أحد أمرين؛ اما أن يصدر قرارات هو شخصياً – وحينها توقع البعض- أن البرهان سيصدر الطوارئ بعد توتر العلاقات مع الإثيوبيين بالاضافة للوضع الداخلي المأزوم؛ وهؤلاء قالوا إن البرهان ربما يضرب هذه بتلك؛ اي يصدر الطوارئ لحماية الأمن القومي من اعتداءات الحدود؛ وهو في قرارة نفسه يريد (الداخل السياسي) المحتقن.
وآخرون قالوا إن المخرج الوحيد لأزمات السودان أن يتنحى البرهان؛ وكل رفاقه العسكريين من سدة السلطة؛ مثلما تنحى سلفه بن عوف عندما اشتدت عليه المظاهرات والهتافات؛ التي ألحقته بالبشير في أقل من 48 ساعة؛ وهؤلاء وأولائك؛ توقعوا هذه الاجراءات ليقود البرهان بنفسه اجراءات التغيير لكي لا يكون هو بذات نفسه هدفاً للتغيير.. تماماً كما طالب خبراء وفقهاء القوم (البشير) بالتنحي وقيادة التغيير بنفسه حتى لا يكون هدفاً له.. ولم يسمع البشير (الصايحة) يومئذ فكان هدفاً للتغيير.
أما البرهان فقد فاجأ الجميع بخطابه الأخير؛ واعلانه خروج الجيش بالكلية من ماراثون السياسة؛ والحوار.. وقال إن المؤسسة العسكرية أخرجت نفسها من حوار فولكر ومساعديه؛ ليضع بذلك كرة (اللهب) في أيدي المدنيين والقوى الثورية.. ولم يفصل البرهان من هم المدنيين ومن هم القوى الثورية؟ لكن الاشارة واضحة أن الجيش والدعم السريع خارج معادلة حوار الآلية؛ وسيكونان مجلساً عسكرياً أعلى بعد التوصل لتكوين حكومة توافق وطني.
البعض قال إن البرهان يعلم علم اليقين أن القوى المدنية لن تتفق؛ ولن تصل لمخرجات متفق عليها في الحوار.. ولهؤلاء نقول .. اذا افترضنا أن القوى المدنية فشلت في الوصول لنهايات سعيدة بالتوافق الوطني.. فهل هذا ذنب البرهان؟.. أم هم يريدون منه أن يتنحى ويترك البلد بدون قيادة؛ لتتكالب عليها القوى والطامعون؛ وربما راحت البلد في أتون الفوضى؛ وبدل التلاسن بالحجة تصبح المواجهة بحد البندقية.. ووقتها لا البرهان ولا الدعم السريع بقادرين على اعادة الأمن والأمان من جديد.
الشباب والثوار ولجان المقاومة؛ والحزب الشيوعي رفعوا الشعارات (الصفرية) بأن لا جلوس الى العسكر وظلوا يكررون شعاراتهم العدمية (لا حوار- ولا شراكة- ولا تفاوض).. ولكن بعد خطاب أمس الأول أصبحت هذه الشعارات بلا قيمة.. فالطرف الذي كانوا يرفضون الجلوس اليه قد ترك الحوار كله ونفض يده من المائدة.
الخطاب وضع مسؤولية كبيرة على عاتق الآلية الثلاثية؛ كيف ستقوم هذه الآلية بجمع (المبعثر) من الساحة السياسية؟.. وكيف ستمضي بالحوار في ظل عداوات (مستحكمة) بين القوى السياسية المختلفة؟ وما تسألوا العساكر كيف؟.. فهم الآن في استراحة المحارب.
صحيفة الانتباهة