محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: انتصرنا ولكن لم نعبر بعد!


 انتصار كبير حققته ثورة ديسمبر المجيدة بعد التصعيد في 30 يونيو. خطاب البرهان الاخير انتصار للثورة وتراجع للعسكر واعتراف للحكومة الانقلابية بالفشل والعجز.

 تجاوزنا مرحلة التوم هجو بغير رجعة.

 انتصرنا نعم ، ويبقى ان نعبر وهذا هو المحك الحقيقي الذي وضعت فيه القوى السياسية بل وضع فيه السودان كله.

 نحن نراهن على الوطن .. والرهان على الوطن لا يقبل القسمة على اثنين.

 أي تعامل مع خطاب البرهان بعيداً عن المكاسب التى حققها هذا الخطاب للثورة اعتبره (هزيمة) كبرى للثورة وعدم قدرة من الاستفادة من الوضع الحالي.

 الاراضي التى اكتسبناها في الفترة الاخيرة يجب عدم التفريط فيها – انكار ذلك او التقليل منه يؤدي الى ان نفقد اراضينا السابقة.

 في الحرب قد تخسر جولة ولا تخسر الحرب ونحن الآن كسبنا الحرب يجب ان لا نخسر الجولة القادمة.

 سوف انظر الى خطاب البرهان الذي اذاعه في 4 يوليو من عدة جوانب وادعو في كل الاحوال الى التمسك بالمكاسب التى جاء بها هذا الخطاب وعدم التفريط فيها ، او التقليل منها.

(2)

 سوف ابدأ من الكيزان والفلول الذين كانت تعليقاتهم على هذا الخطاب بقولهم ان (الكرة) الآن في ملعب القوى السياسية (المدنية) وان البرهان بذكاء وضع الكرة في ملعبهم ليكتشف قدراتهم ويوضح للعالم كله إمكانياتهم عندما اصبحت (الكرة) تحت حيازتهم في ملعبهم.

 يريدون من ذلك ان يظهروا فشل القوى السياسية في التعامل مع الاحداث والوضع الجديد بعد ان اصبحت الكرة في ملعبهم.

 نرد على هذا ونقول ان الكرة لا تزال في ملعب (الحكومة الانقلابية) – مع ذلك ندعو الى الاستفادة من الوضع الحالي للسيطرة على (الكرة) حتى تكون في ملعب القوى السياسية المدنية.

 اعتراف الانقلابيين بفشلهم وتسليمهم بهذا، امر يجب الاستفادة منه – علينا ان لا ننكر عليهم امر اعترفوا هم به.

 لا يوجد انكسار للحكومة الانقلابية اكثر من ذلك.

 كنت قد كتبت مقالاً تحت عنوان (شوط المدربين) يتحدث عن دور القيادات السياسية والخبرات الوطنية المناضلة في المرحلة القادمة وقد جاء أوان شوطهم الآن ، وتأكد ذلك من خلال خطاب البرهان ، الذي ربما يكون ظن انه يمكن ان يستفيد بعض الوقت من خلال هذا الخطاب ، وهو يراهن على عدم اتفاق القوى السياسية على تشكيل حكومة انتقالية للمرحلة القادمة.

 يجب ان تكسب القوى السياسية الرهان وان تعرف ان تخرج برأي واحد متفق عليه حتى ولو كان هذا الرأي هو رفض التعامل مع خطاب البرهان والاعتراض عليه كلياً.

 اذا نجح خطاب البرهان في تشتيت الشارع السوداني وتفريغ القوى السياسية سوف يكون البرهان نجح بهذا الخطاب فيما فشل فيه بالسلاح والبمبان والقتل والاعتقالات.

 المعركة الآن اصبحت معركة (سياسية) بعد ان كانت معركة (ثورية).

(3)

 قرأت بعض التقارير والتعليقات التى لا اتفق معها وهي تتحدث عن ان البرهان لا يملك هذا الحق ليعطي القوى السياسية هذا الشرف – وهذا انكار ليس في مكانه – السلطة الآن في يد العسكر ولتخليصها منهم لا بد ان يتم (تسليم وتسلم) ولا اظن ذلك يتم بعيداً عن (العسكر).

 تعاملوا مع الوضع كما هو وليس كما يجب ان يكون.

 يجب علينا الفصل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة – لا تفقدوا (الجيش) حتى تحموا ثورتكم من الحركات المسلحة التى تمثل الخطر الاكبر على الثورة.

 سوف يبقى (الجيش) ممتلكاً لقوميته ولو كان ذلك على نطاق الحد الادنى منها – والمؤسسة العسكرية ممثلة في (الجيش) امر لا بد منه لحماية السلطة (المدنية).

 اذا لم تتم السيطرة على الجيش والشرطة لن يكتب النجاح للسلطة المدنية في المرحلة القادمة.

 نختلف مع قيادات الجيش ونعترض على تعاملاته التى كانت مع الشعب في المرحلة السابقة ولكن لا نختلف على (الجيش).

 الكيزان والفلول دائماً في اجتهاد لكي يجعلوا الشارع والشعب في صراع وخلاف مع الجيش.

 الغريب ان الذين اعترضوا على البرهان في انه منح غيره ما لا يملك، هم انفسهم الذين اعترضوا عليه لأنه لم يمنحهم المزيد من الوعود ولم يقدم المزيد من التنازلات وهذا تناقض عجيب.

 خروج المؤسسة العسكرية من الحوار وحل مجلس السيادة وتشكيل حكومة انتقالية عبر الآلية مع وجود مجلس للدفاع والأمن يضم قيادات من القوات النظامية المختلفة امر هو بكل حال من الاحوال افضل من الوضع الحالي.

 علينا ان نفاوض ونكافح ونناضل ونحن في وضع افضل – وخطاب البرهان يضعنا في المقدمة… وهذا حق اكتسبته الثورة بوضع اليد والقوة وليس عن طريق المنحة.

 المهم هو ان نصل الى مرحلة تشكيل حكومة انتقالية وحل مجلس السيادة. علينا ان نعمل بسرعة فائقة للوصول لهدف حل مجلس السيادة .. هذا نصف الانتصار.

(3)

 تحليلات اخرى رفضت التعامل مع خطاب البرهان لأن القوى السياسية حسب قولهم سوف تفشل في الاتفاق حول حكومة انتقالية موحدة – وربما يكون هذا كما اشرنا اليه هدف البرهان من خطابه ليظهر القوى السياسية بالضعف والفشل.

 اذا فشلت القوى السياسية في استغلال هذا الوضع والاتفاق على هدف واحد يبقى هي فعلاً لا تستحق ان تكون على رأس السلطة.

 على القوى السياسة ان تثبت قدرتها على (الاتفاق) – ليس في (الاختلاف) عبقرية.

 ان فشلتم في ذلك فانتم غير جديرين بهذه المناصب التى تشغلونها الآن حتى وان كانت في المعارضة.

 نحن لا نملك حكومة رشيدة وهي حكومة فاشلة .. لا نريد ان نكون ايضاً لا نملك معارضة رشيدة وناجحة.

 املنا الآن ومخرجنا اصبح في يد (المعارضة) وليس في يد (الحكومة) ، فلا تجعلوا الوطن يدفع فواتير فشل الحكومة وفشل المعارضة كذلك.

(4)

 جاء في خطاب الرابع من يوليو :

 (عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية حالياً والتي تسهلها الآلية الثلاثية وذلك لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية والمكونات الوطنية الاخرى من الجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال مطلوبات الفترة الانتقالية وعليه آمل أن تنخرط هذه القوى في حوار فوري وجاد يعيد وحدة الشعب السوداني).

 اذا اعترفت المؤسسة العسكرية بذلك وانسحبت هل نرفض ذلك والشعب يعمل من اجل هذا الهدف منذ 25 اكتوبر؟

 حكومتنا ردت الينا.

 النقطة الثانية التى ذكرها البرهان والتى غفل عنها او طمسها الذين لا يريدون لهذا الشعب ان ينتصر كانت في هذه الجزئية :

 (بعد تشكيل الحكومة التنفيذية سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع يتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات تستكمــــل مهامــــــــه بالاتفـــــــاق مـــــــــع الحكومــــــة التــــي يتـــــم تشكيلهــا).

 هذا المجلس لا بد منه في ظل وجود (10) جيوش في البلاد. السلطة المدنية لن تستطيع ان تسيطر على كل هذه الجيوش ان لم يكن هناك اتفاق.. دعكم من الجيش كيف سوف يكون التعامل في هذا الوقت مع الحركات المسلحة ان لم يكن هناك اتفاق مع (الجيش)؟

 اهم من ذلك ان تشكيل المجلس الاعلى للقوات المسلحة سوف تستكمل مهامه بالاتقاق مع الحكومة التى يتم تشكيلها وهذا امر جوهري حاول البعض (طمسه) من اجل ان يزيد (الهوة) بين الشعب والجيش.

(5)

 بغم /

 القوى السياسية امام معادلة صعبة … عليها ان لا تفقد (الشارع) وان تعرف كذلك كيف تجعل (الجيش) في صفها؟

 هذا هو الامتحان الحقيقي الذي سوف تتعرض له القوى السياسية.

 علينا كذلك ان نفصل بين مرحلة الشعارات والمرحلة العملية وان ندرك ان التطابق بين الامرين شيء مستحيل.

 لم يبق من الوطن إلا القليل فلا تفقدوه.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة