فضيلي جماع يكتب.. يا الفريد في عصرك !
فضيلي جمّاع
ما أحوجنا هذه الأيام إلى اللحن الطروب ، والكلمات التي ترتقي بالنفس من وحل واقعنا
البائس، إلى سماوات عُلا. ما أحوجك للنغم العذب إذ يطل عليك العيد خالياً من ضحكات الأهل والأحباب. فتعزّي النفس بالأمنيات .. بأنك وأفراد أسرتك الصغيرة ستعودون في أول إجازة للوطن- للأهل ، حيث تدفن ليل أحزانك الذي طال. تمني النفس.. تمنيها بالعودة!
وقبل أن تسرح طويلاً في أمنياتك، تحاصرك قبعة العسكري الذي حاصر الوطن وإنسان الوطن. ينوء قلبك بحزن ثقيل .. فتبحث عن عزاء. تذكر مقطعاً لقصيدة كتبتها ذات يوم يشبه حزنه ما يخيم عليك من سحب حزن اليوم. تتنهد وتقرأ المقطع في سرك:
ليلاكَ أمسِ تعمّدَتْ لغةَ الرموزْ
كتَبَتْ بحبرِ دموعِها في الرَّمْلِ..
أغنيةً تعذّر فهمُها !
إلّاكَ كنتَ بعيْنِ لُبِّك تفهمُ الأشياءَ..
خاليةً من التعْقيدْ !
كنتَ تقيمُ في الزّمنِ الذي يأتي
وتنسجُ منه أشعاراً لعينيْها
عزاؤكَ أنّ ليلَ الحزنِ مهما طالَ ..
يشربُ من معينِ الموتِ مثْلَ الآخرينْ !
يحمد كاتب هذه السطور لأسرته الممتدة وأصدقائه في الوطن أنهم كانوا بارقة الأمل له ولأسرته الصغيرة أيام العيد. رسائل لا تحصى وهواتف وتسجيلات صوتية، حملت إلينا الوطن جميلاً ناضراً كما عرفناه. واليوم طوقني الصديق عبد الله الهاشمي بلحنٍ طار بي في لحظة من فيافي ومحيطات بعيدة إلى الوطن الحبيب. وعبد الله الهاشمي لمن لا يعرفونه مثقف ووطني غيور من شمبات العريقة. تعارفنا وتواصلنا عبر الشبكة العنكبوتية لسنوات دون أن يرى آحدنا الآخر. وإمّا عدت بعد طول اغتراب كان من أوائل من استقبلوني بالحضن في المطار، بل احتفى وزوجته الفاضلة بي وزوجتي داعياً معنا أصدقاء أعزاء أذكر منهم الصديق الشاعر كمال الجزولي والأستاذ عبد المنعم المحامي والصديق الروائي حامد بدوي بشير والأستاذ ابوعاقلة – من شباب شمبات المسكونين بالفن والأدب. حيث تحولت دعوة العشاء إلى شبه ندوة ثقافية: أتحفنا فيها الأستاذ عبد المنعم بذكرياته الطريفة مع صديقه أمير العون حسن عطية.
يعرف عبد الله الهاشمي أنّ عثمان حسين و الحقيبة يمثلان نقطة ضعفي في التطريب! فرماني اليوم بلحنٍ حقائبي من كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الرّيح.. أغنية “الزمان زمانك” . إلا إنه تعمّد أن تكون الأغنية بأداء الفنان عثمان حسين! نستمع إلى حنجرة عثمان حسين في “الزمان زمانك” ، فنجد أنّ اللحن قد إنداح ونثرت تموّجات صوته ألواناً قزحية لا تحصى. يطير عقلك وحنجرة عثمان حسين تصبغ لحن الحقيبة وكلمات الأغنية بلون الأرجوان:
إن قصدْتَ هلاكي تـجِــدْنـى مـن فرسانَكْ
وإنْ عـطــفْــــتَ عــلـــيّ ذاكَ مـن إحسانَكْ
يا الحنـيـــنْ فـى نفْـسَكْ قولي ويـنو حنانَكْ؟
شِلْتَ قلـــبـى – ودمِّــى خـَضَـبـْتَ بيهو بنانَكْ!
يا الفريد في عصركْ الزمان زمانكْ
الشكر للصديق عبدالله الهاشمي ، وشكراً لشمبات. فبقدرما تميّز أبناؤها وبناتها في الأدب والصحافة والفن .. بقدرما تدهشنا شمبات حين يجنّ جنونُها في مسيرات ثورة شعبنا الهادرة!
صحيفة التحرير