مقالات متنوعة

هل يسعف الصندوق الخيري نازحي دارفور قبل تفاقم مأساتهم؟

أعلن نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، خلال زيارته التي امتدت، أكثر من شهر إلى إقليم دارفور، عن إنشاء صندوق خيري لدعم إعادة النازحين ومعالجة أوضاعهم الإنسانية، على أن تكون البداية بإيداع أموال تستقطع من القوات النظامية، والجيش، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز الاستخبارات العامة، مناشداً رجال الأعمال والخيرين من أبناء السودان في الداخل والخارج، إلى جانب الخيرين والمنظمات العالمية الاستجابة للظروف الإنسانية للنازحين، غرب دارفور، معرباً عن أسفه للأوضاع الإنسانية غير اللائقة التي يعيشها النازحون المستوطنون بالمؤسسات الحكومية في عاصمة الولاية.

الاحتياجات الملحة

وأوضح نائب رئيس مجلس السيادة، في تصريحات صحافية، أن الصندوق سيخصص، للاحتياجات الإنسانية الملحة التي يواجهها النازحون بالولاية، لا سيما ملف العودة الطوعية وتوفير الخدمات الضرورية، مع مواصلة العمل ميدانياً لمعالجة الاختلالات الإنسانية والأمنية، بتوفير الحماية اللازمة للعائدين إلى قراهم، والسعي إلى حوار مجتمعي بين كل المكونات لإنهاء الصراعات القبلية، لمنع تجددها مستقبلاً، ووجه دقلو، بوضع خطط متفاوتة الأجل، لعودة النازحين من مراكز الإيواء داخل مدينة الجنينة إلى معسكر كريندق، مع التزام الحكومة بتوفير الأمن والخدمات داخله، توطئة لعودتهم إلى قراهم الأصلية.

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة الاتفاق مع رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، على استقطاع ألفي جنيه (نحو 3.5 دولار أميركي) من كل ضابط في الجيش والشرطة، وثلاثة آلاف جنيه (نحو 5.4 دولار)، من كل ضابط في قوات الدعم السريع، وألف جنيه (نحو دولارين) من كل فرد بالقوات النظامية المختلفة.

تشاؤم ومخاوف

من جانبه، قلل منسق النازحين بمعسكر “كلمة”، يعقوب عبد الله فري، من أهمية قيام صندوق خيري لدعم النازحين وفق ما هو معلن عنه، مشككاً في إمكانية وقدرة مثل هذا الصندوق على توفير الأموال والمعينات الكافية لمعالجة أوضاع النازحين ومعاناتهم المتفاقمة، مضيفاً، “هي لا تعدو كونها فكرة نظرية صعبة التنفيذ، والأفضل منها أن يقوم الجيش والدعم السريع بوقف العنف والمطاردات والقتل، والمضايقات التي يتعرض لها النازحون”.

وأعرب فري عن مخاوفه من أن يتسبب إعلان قيام مثل هذا الصندوق في توقف المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المعسكرات بواسطة المنظمات المسؤولة عن ذلك، كون الصندوق، في نظرنا، أشبه بعمل علاقات عامة لتحسين صورة الدعم السريع والجيش أيضاً.

وكان أحدث تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة “أوتشا”، عن أوضاع النازحين، أفاد بأن زيادة أعدادهم في السودان، بلغت خمسة أضعاف عددهم في 2021، كم أنها تمثل الزيادة الأعلى منذ عام 2004، نتيجة تصاعد العنف.

تدهور الوضع الإنساني

ولفت التقرير إلى تدهور الوضع الإنساني في السودان بشكل كبير في عام 2021، حيث اشتد النزاع، وتزايد عدد النازحين إلى 3.2 مليون شخص، والإبلاغ عن 441000 حالة. وأكد المكتب، نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص في ولاية غرب دارفور، بسبب النزاع بين 22 و25 أبريل (نيسان)، وما زالوا يعيشون في مناطق مفتوحة، في محلتي كرينك والجنينة، ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وجددت منسقية الشؤون الإنسانية وشركاؤها، التزام الأمم المتحدة، بتقديم المساعدات إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين نزحوا بسبب النزاع في ولاية غرب دارفور. وأشار تقرير “أوتشا” إلى أن الأمطار والفيضانات في ولايتي كسلا والنيل الأبيض، أثرت على كثيرين ممن هم في حاجة ماسة إلى المساعدات، ورجح تعرض السودان لاحتياجات إنسانية عاجلة حتى سبتمبر (أيلول) 2022، بسبب الأزمة الاقتصادية، والمحصول دون المتوسط، وفي ظل تراجع القوة الشرائية للأسر.

في الأثناء، قال آدم رجال، المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين، إن من الطبيعي أن تزداد أعداد النازحين بسبب استمرار الصراع والنزاع والأزمة السياسية بالبلاد.

المجاعة

وكشف رجال أن الأعداد في دارفور قد تتجاوز ما جاء في تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لأن أحداث كرينك وجبل مون وكلبس الأخيرة، أفرزت أعداداً كبيرة جداً على مستوى الإقليم في ما يشبه التهجير الجماعي الممنهج للسكان من أراضيهم بنهج وأسلوب نظام الرئيس السابق عمر البشير. وأوضح رجال أن المنسقية أصدرت بياناً في شأن حاجة النازحين الماسة إلى العون الطارئ من غذاء ودواء وكساء ومياه شرب وخدمات آخر، وكشف المتحدث باسم منسقية النازحين، أن نازحي أحداث كرينك ما زالوا يعيشون في ما يشبه السجن الكبير، إذ يحاصرهم خطر الميليشيات على الرغم من مغادرتهم منطقتهم إلى العراء المفتوح، لكنهم لا يستطيعون التحرك خارج المنطقة التي يوجدون فيها حالياً لمسافة نصف كيلو متر. وأكد رجال ما جاء في تقرير “أوتشا” حول خطورة الوضع الذي ينذر بمجاعة حقيقية قبل نهاية هذا العام، مطالباً المجتمع الدولي والمنظمات المتخصصة سرعة التدخل لإنقاذ النازحين قبل أن تحل الكارثة.

حزمة مصالحات

وكان الفريق أول دقلو، منذ وصوله للجنينة في 18 يونيو (حزيران) الماضي، برفقة عضوي مجلس السيادة الانتقالي من الحركات الموقعة على السلام، الطاهر أبو بكر حجر والهادي إدريس، قد انخرط في لقاءات وزيارات واسعة شملت مناطق عدة، منها جبل مون وسربا ومعسكر كريندق للنازحين، مناشداً الأمم المتحدة ووكالاتها التدخل لمساعدة النازحين، كما عقد لقاءات مع أعيان ورموز القبائل بخاصة المتنازعة، ومع الإدارة العامة للنازحين، وتسلم مذكرة تحتوي على مطالبهم، مؤكداً جدية الحكومة في عودة جميع النازحين إلى قراهم الأصلية مع توفير الأمن اللازم لقرى العودة الطوعية، عبر قوات مشتركة ستعمل على ملاحقة المجرمين الخارجين عن القانون وتقديمهم للعدالة.

هاجس عودة الحرب يقض مضاجع سكان غرب دارفور
وأعلن دقلو طي صفحة الصراعات القبلية بخاصة، غرب دارفور، بعد أن أشرف على توقيع أكثر من خمسة مواثيق صلح قبلية، كان آخر اتفاق صلح بين قبيلة “القمر” والقبائل العربية، وشملت العديد من المصالحات الأخرى بين القبائل العربية، و”المسيرية”، و”الرزيقات”، و”المساليت”، و”الأرنقا”، و”التاما”، و”بطون القمر”، “القمر”. وطالب القبائل بالتعايش في سلام حقيقي وإنهاء النزاعات والصراعات.

كانت قوات الدعم السريع، رعت في الفترة الأخيرة، اتفاقات صلح بين “الفلاتة”، و”الرزيقات” في جنوب دارفور، إضافة إلى اتفاق صلح بين القبائل العربية و”المسيرية جبل”، وبين “المساليت” والقبائل العربية في غرب دارفور.

الأمم المتحدة بالميدان

كما بحث نائب رئيس مجلس السيادة، خلال إقامته بمدينة الجنينة، مع رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي بالسودان “يونيتامس”، فولكر بيرتس وعدد من وكالات الأمم المتحدة، في قضايا النازحين ومساعي عودتهم، وجهود المصالحات القبلية وإنجاح الموسم الزراعي، وفرض هيبة الدولة، ولفت بيان للبعثة الأممية لدعم التحول الديمقراطي بالسودان “يونيتامس” إلى أن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة شدد، خلال لقائه الفريق أول محمد حمدان دقلو، ووفد مجلس السيادة المرافق، ووالي غرب دارفور، ولجنة أمن الولاية، على مسؤولية القوات الأمنية في ضمان حماية المدنيين، بخاصة خلال الموسم الزراعي، كما استفسر عن الترتيبات الأمنية الموضوعة في هذا الصدد، ورحب بيرتس باتفاقيات الصلح الموقعة، منوهاً إلى ضرورة تنفيذها وضمان استدامتها ومعالجتها أسباب النزاعات الجذرية، حاثاً على إنشاء مفوضيتي النازحين والأراضي.

وذكر بيان “يونيتامس”، أن الممثل الخاص، استمع إلى آراء ومخاوف الإدارة الأهلية والمجتمعية وممثلي النازحين، بما فيها احتياجات المجتمعات والنازحين إلى الحماية والعون الإنساني، فضلاً عن الحاجة إلى ضمان الحلول الدائمة. وأشار إلى أن بيرتس، سيستمر في تفاعله مع أصحاب المصلحة بدارفور، بما في ذلك المجتمع المدني والنساء والشباب والأحزاب السياسية، مؤكداً دعم الأمم المتحدة المتواصل في المجالات المرتبطة بالسلام والشؤون الإنسانية والتنمية، وداعياً السلطات لتأمين وصول المساعدات الإنسانية ووصولها إلى الفئات الأكثر ضعفاً.

موجات العنف والنزوح

وشهدت ولاية غرب دارفور نزاعات قبلية متكررة أودت بحياة أعداد كبيرة من المواطنين وتشريد ونزوح وفرار الآلاف إلى دولة تشاد، وفي يونيو الماضي، قتل نحو 125 شخصاً في قتال قبلي عنيف بين “القمر”، والقبائل العربية في منطقة كلبس، غرب دارفور، بسبب نزاع حول أرض زراعية، تسبب في نزوح أكثر من 50 ألف مواطن وحرق عدد كبير من القرى، وسبق ذلك أكبر موجات من العنف القبلي في أبريل الماضي، بتعرض محلية “كرينك” إلى هجوم ميليشيات أسفر عن موت نحو 200 شخص معظمهم من قبيلة “المساليت”، مع إحراق وتدمير ممتلكات في المحلية.

وتضم ولاية غرب دارفور العدد الأكبر من المعسكرات نحو 37 معسكراً، أبرزها “كريندق”، و”أردمتا”، و”مستري”، و”هبيلا”، و”القردود”، و”فوربرنقا”، و”كلبس”، و”سربا”، بينما تنتشر بقية المعسكرات لتشمل 20 آخر في ولاية وسط دارفور، أبرزها “السلام”، و”الحميدية”، و”الحصاحيصا”، و”أبوذر”، و”نيرتتي” (شمال وجنوب)، وتضم نحو 277369 نازحاً، منهم 94535 امرأة و44153 رجلاً، بينما يمثل الأطفال نحو 138681، كما توجد ستة معسكرات في شمال دارفور، أشهرها، “أبوشوك”، و”السلام”، و”زمزم”، و”كساب”، يقطنها نحو 248542 نازحاً، منهم 116835 من النساء و54671 من الأطفال، و77031 من الرجال، وتضم ولاية شرق دارفور ستة معسكرات، أهمها، “النيم”، و”الفردوس”، و”شعيرية”، و”ياسين”، يسكنها نحو 92435 نازحاً.

جمال عبد القادر البدوي
إندبندنت عربية