مقالات متنوعة

الكلام المستهلك لايزرع ولا يحصد قمحا

محجوب مدني محجوب

الشعوب المنتجة تعرف من اهتماماتها، فكل كلام لا يبرز إنتاجا فهو كلام ضار بامتياز.
أنت عنصري.
لا أنا لست عنصريا.
أنت مستغل لموارد البلد.
لا أنا لست مستغلا لموارد البلد.
أنت عميل لجهات خارجية.
لا أنا لست عميلا لجهات خارجية.
مجرد كلام مستهلك
فالمتكلم والمخاطب كلاهما غير منتجين.
الشخص المنتج لا يستهلك كلاما نتيجته سواء سلبية أو إيجابية ليس لها مردود إنتاجي.
الشخص المنتج يتكلم إعدادا وتنظيفا وزراعة وحصادا غير ذلك فهو لا ينشغل به ولا يعيره أدنى اهتمام ويعتبره معيقا ومعطلا للعمل.
قيم المسامحة والتعايش والنزاهة لا تكتسب ولا تقصد لذاتها ولا تناقش ولا يتكلم عنها، وإنما تفهم وتستشعر من خلال العمل والإنتاج.
شعب يفرغ وقته وهمه للحديث عن العنصرية والجهوية والمناطقية. عن النزاهة وعن الحرية والسلام وعن العدالة فهذا شعب عالة على غيره شعب يفقتقر لأبسط مقومات الحياة من صحة وتعليم وخدمات.
شعب بلده متسخة مليئة بالأمراض يمر الخريف تلو الخريف فلا يحرك ساكنا.
الشخص الكادح العامل لن يكون له وقت؛ ليتحدث فيه ويتناقش ويحاور في أمور أصلا الحديث فيها لا يفيد، وإثبات المتهم فيها أو نفي الاتهام لا يزيل البعوض من الشوارع ولا يسكت الضفادع التي أصبحت هي الأعلى صوتا في جميع مدن البلاد.
نهضة المجتمعات تضح من خلال اكتمال دورة الحياة لدى كل شخص ينتمي لهذا الوطن الواسع بمساحاته وموارده وخيراته بحيث ما يعمله يعود عليه في صورة منتج آخر هو في أمس الحوجة إليه، فكل عنصر يعطي ويأخذ في حلقة دائرية فالمزارع يحرك من يعتني بالبذور ومن يعتني بتتظيف الأرض ومن يعتني بتجهيز آليات الحرث والزرع ومن يعتني بإعداد الوقود؛ ليعود إليه منتجه من خلال إنماء ثروته الحيوانية ومن خلال إثراء سوق العمل الداخلي والعالمي؛ ليعود إليه في شكل تعليم جاد ومثمر لأبنائه وفي شكل عناية صحية مكتملة الخدمات وفي شكل تحريك لضروراته الحياتية من ملبس ومسكن.
فالكل منشغل بدائرة إنتاجه تبدأ منه وترجع إليه أو تأتي إليه وتنطلق منه الكل في حالة عمل دؤوب لا يوجد فيه أدنى مساحة أو فراغ للحديث عن مجردات كلامية لا يخدمها في شيء بل يضرها غاية الضرر.
ولقد جاء في الأثر: لا خير في قوم كان همهم الجدال.
فالشخص المنتج يعرف من اهتماماته، فهي التي تحدد إنتاجه من عدمه.
إذا ظللنا هكذا نتلقف خطابات المسؤولين بين مؤيد ورافض لها فمن أين نحصل على طاقة للعمل؟
فكل طاقتنا سوف نجدها مستهلكة في سجالات كلامية إذا جمعت كلها مع بعضها البعض لا تستطيع أن تردم لنا حفرة واحدة من حفر الخريف التي أحدثها قبل خمسين سنة في وسط الشوارع الرئيسية.
خياران لا بد أن نختار واحدا منها:
إما أن نكون منتجين وفاعلين في المجتمع أو نكون مستهلكي كلام.
الاثنان لا يجتمعان، فيبدو أن الأغلبية الآن في بلادي باصمون على أن ينتجوا كلاما.
فإلى أن تتغير هذه القناعة، فليهنأ مواطنو بلادي بالجوع والمرض والجهل، فهذه هي ثمرة استهلاك الكلام.

صحيفة الانتباهة