مقالات متنوعة

محمد أحمد الكباشي يكتب: أحداث النيل الأزرق.. غياب الضمير

على طريقة اخبار الطقس هذه الايام وتنقل الفاصل المداري بين الولايات، تبدو الحالة مشابهة في تنقل اخبار الصراع القبلي وكأنما الذي يحدث هنا وهناك لا يعدو ان يكون ماراثوناً في تصدر الاخبار مع صناعة الاحداث الدامية، حيث عجزت الدولة عن كبح جماحها، الامر الذي جعل الصراع يتمدد ويتطاول في تحد سافر للقانون والاعراف، بعد ان هدأت حدة الصراع القبلي بغرب دارفور وما خلفته تلك الاحداث تمثل في مئات القتلى والجرحى وآلاف النازحين وحرق للقري، وهذا الصراع اجبر نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حميدتي على البقاء هناك لاكثر من شهر ليكون قريباً من قلب الحدث. وخلاله بدأت الاوضاع تعود الى طبيعتها بعد قرارات واجراءات صارمة لبسط هيبة الدولة، ولكن الفاصل القتالي انتقل هذه المرة الى ولاية النيل الازرق التي شهدت اسوأ حالات الصراع القبلي، وتجاوزت كل المحطات التي مر عليها في كل من ولايات دارفور والبحر الاحمر وكردفان الكبرى، مروراً بكسلا وسنار، لترسم ولاية النيل الازرق في محلياتها الثلاث قيسان وود الماحي والروصيرص موضع الاحداث مشهداً كارثيا افضى الى حالة من الفوضى والانفلات الامني. وهنا اشير فقط الى فيديو متداول بكثافة لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق، وبلا رحمة وبلا وازع ديني وبلا ضمير انساني انهالت مجموعة من الشبان ضرباً بعصي ذات احجام كبيرة على شاب يعتقد انه ينتمي الى الطرف الآخر من الصراع ملقى على الارض في مشهد لا يمت الى الضمير الانساني بصلة، وربما يظن البعض ان الهجوم استهدف ثعباناً ضخماً وليس انساناً ينطق بالشهادتين، فقد كان مصيره الموت بطريقة لم نشاهدها الا على طرق الدواعش.
وهذا واحد من المشاهد المؤلمة في مسرح الموت الهزلي بولاية النيل الازرق وحالة الفوضى التي قضت على كل ما هو جميل من ترابط وتواصل اجتماعي عرفت به ولاية النيل الازرق. والاسوأ ان الابرياء ظلوا هدفاً مشروعاً لخصومهم، وهذا الامر وضع عشرات من الشباب مكتوفي الايدي وتصويرهم كأنهم اسرى حرب.
يحدث كل هذا في ظل غياب تام للاجهزة الرسمية، وحتى القرارات التي اتخذتها حكومة الاقليم لم تحقق النتيجة المطلوبة في بسط هيبة الدولة ومحاصرة الصراع وايقاف عمليات النهب والسلب التي طالت محلات تجارية في مواقع الاحداث خاصة سوق الروصيرص، ومؤسف جداً ان يتأخر تدخل الاجهزة الامنية بعد ان تعم الفوضى ويحدث الانفلات، ولماذا تأخرت لجنة امن الولاية في اتخاذ التدابير والتشديد في انفاذها؟
ويبقى ان نقول ما هي المكاسب التي جناها الصراع القبلي بولاية النيل الازرق غير مزيد من الدماء والدموع وفقدان الانفس والممتلكات؟ الى جانب ان الموسم الزراعي بات مهدداً بالفشل، فقد زادت الاحداث الاخيرة ازماته المتجذرة؟
وليس امام عقلاء مجتمع النيل الازرق غير الاسراع في لملمة اطراف الصراع والعمل على قطع الطريق امام فتنة حملت بين ثنياها حرباً ضروساً لا تقل عن حرب داحس والغبراء، ولكن يجب ان نذكر ايضاً اولئك القتلة بأن المسلم ماله ودمه وعرضه حرام، وان قتل النفس اهون عند الله تعالى من هدم الكعبة المشرفة، والقبر ينتظر الجميع، اذ لا قبيلة ولا جهة والكل آتيه فرداً.

صحيفة الانتباهة