مقالات متنوعة

ابتعاد المشهد السياسي عن أي إيجابية

محجوب مدني محجوب

قصة انتقاص وإفشال ما هو قائم، وذلك من باب أن السيء أخف وطأة من الأسوأ، فهذا الأسلوب لن يجدي نفعا، فهو لا يحمل بين طياته أي حل كما أن مجرد الانتقاص لا يصنع برنامجا بديلا.
زعزعة الأمن وغلاء المعيشة وتردي الخدمات علاجها هو بث الإيجابية وذلك بإحدى جانبين:
أحدهما: إما قبول ما هو قائم الآن متمثلا في قيام حكومة مدنية، وهذا الموقف هو موقف جميع القوى المدنية بما في ذلك القوى المدنية التي شاركت العسكر في حكومة الخامس والعشرين من أكتوبر، فهي مضطرة الآن لقبول هذا الموقف بعد أن عزل العسكر نفسه من الشأن السياسي على حد قول الفريق البرهان .
في حالة رفض هذا الموقف ينبغي القيام بطرح برنامج مغاير له بحيث يمكن تطبيقه.
ما عدا هذين الجانبين فأي هجوم أو نقد أو تقليل لا يفيد شيئا ولا يخدم غرضا.
وحتى لا يتم إلقاء الكلام على عواهنه دعونا نربط هذا الكلام بالواقع.
بعد سقوط حكم البشير وقيام حكومة الثورة التي كان مسؤول عنها رئيس الوزراء، فالإيجابية معه تعني هي إما أن يترك الرجل يشغل هذا المنصب إلى أن يعجز عن القيام به أو أن يخرج الشارع مناديا بإسقاطه، وكلنا نعلم أن هذين الاحتمالين لم يقع واحد منهما.
فلنقل عن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أنه كان دون المستوى ودون التحدي إلا أن الرجل لم يمارس أي نوع من أنواع المهاترات أو العداءات حتى مع حزب النظام الساقط لدرجة أن أعداء الرجل لم يجدوا شيئا يتندرون ويسخرون به عنه سوى كلماته (سنعبر وسننتصر) تلك الكلمات التي تمثل قمة التفاؤل.
وخلال لقاءاته كان دائما ما يذكر الرجل بأن البلد تمر بمنعطفات خطيرة، وأن أكثر كلمة تزعجه هي (شكرا حمدوك).
أسلوب في القيادة حتى أنه كان جديدا علينا، فرؤساؤنا حينما يمدحون يصدقون هذا المدح، ويتراقصون حياله فرحا
ورغم ذلك تم رفض الرجل وأبعد عن منصبه.
حسنا فليكن هذا الرجل فاشلا وضعيفا، فالإيجابية معه تعني الأتيان ببديل له يوصل الحكومة الانتقالية لحكومة ديمقراطية منتخبة ذلك الهدف الذي يجمع عليه الكل.
فكوننا لم نحصل على بديل له، ورفضنا كل الرفض أن يشغل هذا الرجل منصبه، فحينئذ انعدمت الإيجابية بالكلية.
وبالتالي ظهرت كامل السلبية حينما اتضح أن رفض الرجل لم يكن معه أي برنامج بديل له.
الحديث عن فراغ حكومي دون تقديم رؤية لسده مع الإصرار لمنع الآخرين عن سده، فهذه هي السلبية في كامل صورها.
دعونا نترك الصراع بين المدنية والعسكرية جانبا.
فقط نريد ممن هو بالساحة أن يتعامل مع المشهد السياسي بإيجابية.
فقط بإيجابية لا أكثر.
كن كما أنت واحتفظ بكل العيوب التي تؤمن بها إزاء المكون المدني، فليكن كما تقول أن هذا المكون المدني فاشل كل الفشل.
فقط تعامل مع المشهد بإيجابية بمعنى أن تترك الآخرين يعملون، وإن كان عملهم غير مرض، فهو في كل الأحوال أفضل من الفراغ القائم الآن.
فلا يمكن إطلاقا أن يمنع الآخرون من تنفيذ برنامجهم، وفي نفس الوقت يوجد عجز عن توفير برنامج بديل.
فهنا الإشكال حيث يتم رفض من يعمل، وفي نفس الوقت يقابل هذا الرفض بقبول من يعاني من إفلاس فاضح عن وجود بديل له.
هذا الموقف ليس له إلا تفسير واحد فقط وهو إما أن أكون أنا قائد السفينة أو أن تغرق.
لأن من يبحث عن النجاة، وليس له بديل لقائد السفينة على الأقل سوف يترك من يحاول نجاتها أن يقودها لعل وعسى أن تتم النجاة على يده، فمحاولة القيادة وإن كانت غير مقنعة، فهي في كل الأحوال أفضل من ترك السفينة تغرق.
ثم يظهر حيال هذا الموقف تناقض عجيب وغريب: فأيهما أشد تقصيرا هل من يحاول إنقاذ السفينة أم من يجلس بلا محاولة؟
قطعا الثاني أشد سوءا من الأول، فلذا كان ينبغي أن يكون الهجوم علي الثاني أكثر من الأول.
ما يحدث الآن من صراع على السلطة هو صراع بعيد كل البعد عن الإيجابية؛ لأنه يبحث في كل صوره لتحقيق إحدى نتيجتين إما انتصار الأنا أو الهلاك.
أما الإيجابية فهي تعني أن أترك الآخرين أن ينفذوا أطروحاتهم ما دمت لم أستطع أن أطرح بديلا لها.

صحيفة الانتباهة