ورشة التقييم: قراءة وتحليل: ما لم تقله قحت (1—3)
ورشة التقييم: قراءة وتحليل : ما لم تقله قحت (1—3)
د.ابراهيم الصديق على
(1)
طالعت أوراق ورشة تقييم الفترة الانتقالية من خلال ورقتين (تجربة قوي الحرية والتغيير : النشأة والتطور والمستقبل) و(تجربة حكومة الفترة الانتقالية : الإنجازات والإخفاقات والدروس المستفادة)، بالإضافة لتعليقات عليها، وفي مدخل قراءة َتحليل هذه الورشة لابد من الإشارة إلى نقاط جوهرية حول منهجية التقييم:
أولها : غياب تعريف حقيقي لما جرى في يوم ١١ أبريل ٢٠١٩م، فإن كان هو إنحياز المؤسسة العسكرية لطرف سياسي أو حتى إستجابة لمقتضيات مرحلة ، فإن هذه المؤسسة اصبحت بذلك جزء من مرحلة الإنتقال بإنجازاتها وإخفاقاتها، وشركاء في القرار، والتنكر لهم فيه نقض للمواثيق والأعراف.. ومن حق العسكريين الدفاع عن مشروعية حقهم ودورهم الدستوري ومصالح المواطن..
و إن كان ما جري هو ثورة شعبية ، فإن قوي الحرية والتغيير بدخولها في مفاوضات وشراكة سياسية مع العسكر ، قد اضاعت على البلاد فرصة إحداث تغيير مهم، و ينبغي أن تحاسب على ذلك وتساءل عليه و تعقد لها محاكمة (إضاعة ثورة شعبية)، ومن أضاع فرصة كهذه ليس من حقه تصدر المشهد السياسي مرة أخرى..
إن بعض أطراف قوي الحرية تصف ما جري بإنه (إنقلاب اللجنة الأمنية)، كما تصفه بيانات الحزب الشيوعي وأعوانه، وفى ورقة التقييم ورد بأن (المؤسسة العسكرية اسهمت فى الإطاحة بالبشير) وللمساهمين حقوق.. هذا الإضطراب في التعريف جوهري في تحديد وتقييم ما جري وما تلاه وحتى قرارات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وهي بذات قيمة البيان الأول.. وإذا لم يحدد ذلك تصبح كل النقاش في دائرة مفرغة..
والنقطة الثانية: إن غاية الحكم هو تحقيق خدمة الشعب، في رفاهه وتعليمه وصحته وأمنه ومسكنه، وحقه فى المشاركة السياسية بالرأي والتعبير والإقتراع، وقد غاب كل ذلك في قراءة البعد الشعبي او رد فعل المواطن المغلوب على أمره ، إن حالة (الغطرسة) السياسية و(الإستبداد) بالرأي بلغ درجة غير مسبوقة لدى قوي الحرية والتغيير، فالشعب وحق الإنتخابات لم يرد اصلاً في الورقتين، فلم تتحدث عنه الورقة الأولى ولم يكن ضمن أوليات الحكومة في نسختيها الأولى َالثانية وقد كادت المرحلة الإنتقالية على الانتهاء.. وعليه فإن الحديث عن الإنتقال الديمقراطي يكذبه واقع غياب الحديث عن الإنتخابات والعمل عليها، وعن رأي المواطن بشكل عام، لقد كانت قرارات كثيرة صادمة للمواطن العادي ومستفزة لمشاعره.. ومنها عملية تغيير المناهج وقوانين الأسرة ونحوها..
والنقطة الثالثة : الإفتقار للمهنية والإحترافية فى الأوراق والتقييم المنهجي والصرامة الأكاديمية والمصداقية في الطرح، فالورقة الأولى ذات لغة هتافية وتعبيرات فضفاضة والثانية تجاوزت قضايا كلية وأكثرت من التفاصيل وتجاهلت وقائع جوهرية، ومنذ ذلك التطبيع مع إسرائيل، توجهات التغيير المنهجي فى القيم الإجتماعية في البلاد ومن ذلك المناهج وقوانين الأحوال الشخصية وإتفاقية سيداو، ومردودات قرارات التحرير الإقتصادي دون ضمانات، وعجز كلي لكل المرافق، وغياب كامل لخطة إنتاجية ونهوض، مما سناتي عليه تفصيلاً، ومن الواضح أن إعداد الأوراق لم تكلف به جهة ذات إختصاص معرفي وتجربة.. وكذلك كل شأن أمر الحكم في البلاد خلال عامين ونيف من حكم قوي الحرية والتغيير..
(2)
في ختام ورقة قوى الحرية (١٦ صفحة)، وردت ٨ ملاحظات أو سلبيات، تمثلت فى ضعف الإعداد لانحياز الجيش و بطء التحول لإدارة الدولة والانفتاح على بقية القوى والصلة مع الحكومة وضعف الإتصال الجماهيري، وهذه مجرد ظواهر وإنعكاس، وقفز على النتائج وإنما الأسباب الجوهرية هو غياب اساس التحالف والبرنامج، وكل ما جري أو توافق عليه تمثيل قوى مختلفة والتنافس فيما بينهم حول السلطة..
لقد بدأ إعلان ميثاق قوى الحرية فى يناير ٢٠١٩م وفي ظل تباين مواقف وصراع أجندة سياسية وإنعدام للثقة والقاسم المشترك..
قوة وتأثير الأطراف الخارجية، وخاصة في جوانب التمويل والإستشارات والإعلام..
فلم ترد اي إشارة لمشروع (خارطة الإنتقال فى السودان) برعاية أجنبية (جامعة فرجينيا) وورش العمل في رواندا وكينيا، وورش الإعلام في جنوب أفريقيا ويوغندا، وكل هذا الغطاء الكثيف..
وكذلك إختيار رئيس الوزراء ورحلته إلى بريطانيا ومشاركة رجال أعمال مثل مو إبراهيم واسامة داؤد وحتى لقاء منزل حجار، كل هذه التدخلات غابت عن القراءة والتقييم، فمن الواضح أن الهياكل المعلنة كانت واجهات لمخططات أخرى وخفايا ، وإنما صناعة الفعل الحقيقي وراء الكواليس.. هذا أمر لابد أن يخضع لفحص سياسي وكذلك إستدعاء بعثة أممية تنتقص من السيادة الوطنية..
ودون الدخول في تفاصيل كثيرة، فإن تمويل الإعتصام أمام القيادة محل تساؤل كبير.. لم تكن الأمور جلية..
(3)
نقطتان لابد من ملاحظتهما في هيكلية قوي الحرية والتغيير، طريقة التمثيل الحزبي ولجان العمل السياسي والميداني، فهناك دائماً تمثيل للاطراف السياسية في لجنة الإتصال وفي لجنة المفاوضات وفي تشكيل الحكومة، وهذا مؤشر لإنعدام الموثوقية والبرنامج، لإن بناء تحالف مفاده هيئة سياسية ذات إستقلالية وقرار وشخصية معتبرة، وتتخذ قرارات دون النظر للتمثيل الحزبي ولكن الأمر لم يكن كذلك، والحقيقة انها مجرد (مظلة كبيرة ذات مداخل و مخارج)، ولذلك لم تلتزم الأطراف بقراراته وشرعيته وخرج عليه حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي وانقسم تجمع المهنيين السودانيين وخرجت عليه مجموعة أخرى، وشكلت فريقا آخرا وكل ذلك دون أن يتواضع هذا الفريق على الإعتراف بهذا الواقع ومتغيراته ويصر على ذات حجمه وثقله المزعوم.. لقد اختطفت قوى الحرية والتغيير مشروعية لا تملكها..
والنقطة الثانية هي مفارقة لجنة الإتصال السياسي ولجنة العمل الميداني، وهذه معضلة (لجان المقاومة والهيئات النقابية) فمنذ البداية هناك طرف سعى لإبعاد هذه الواجهات والانفراد بها، ومن الواضح أن الحزب الشيوعي وقوي يسارية أخرى أرادت الإستئثار بالشارع والمؤسسات المهنية وقد كان.. خلاصة الأمر، أن هذه التجربة تمثل حالة إنحدار فى التجارب السياسية.. يتبع (2—3)..
د.ابراهيم الصديق على