مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: قاتل الله الولاءات الضيقة

محجوب مدني محجوب

الولاءات الضيقة هذه الأيام لا هم لها سوى حجب الحقيقة تستصغر الأحداث الكبيرة، وتهول ما هو صغير لا لشيء إلا لأن هذا يخدم ولاءها.
وتحول هذا الولاء – والحمد لله – إلى حالة تكاد تكون مرضية.
فهو ليس مجرد دفاع عن ولاء بل استفحل ليصبح دفاعا عن وجود، فظل أصحاب الولاءات الضيقة يتلقفون الأزمات الاقتصادية والصحية والتعليمية وطبعا من باب أولى السياسية لا لشيء إلا ليغيظوا بها الآخرين، ويمدحون ويستعظمون بها مباشرة ولاءهم.
فإن كان الولاء للحكومة القائمة الآن فسوف يتم تحديد الهدف منذ البداية وهو الدفاع عن هذه الحكومة، وعلى هذا النحو تسير الخطة حتى لو غطست الحكومة في البحر والموقف يريدها أن تكون جافة غير مبللة، فسوف يكتب مقالا طويلا مشفوعا بالأدلة والبراهين أن الغطس في الماء سوف يكون الجفاف بعده أجمل وأحسن.
وعليه فالهجوم والدفاع لم يعد يخدم غرضا، فالهجوم يعني هجوما على غيري والدفاع يعني الدفاع عن ولائي.
والأحداث والمعلومات والإيجابيات والسلبيات والكوارث وفقا لهذه الحالة المرضية تساوت كلها، فهي كلها تصب في نهر واحد هو نهر الولاء الضيق.
وإن بدا وظهر حدث لا ينفع معه أي تحوير أو تبديل لصالح الولاء الضيق، فسوف يتم تجاهله وتفطيسه دون تردد.
الولاء الضيق وتحسين أوضاعنا ضدان لا يجتمعان.
الولاء الضيق وتصويب أخطائنا ضدان لا يجتمعان.
الولاء الضيق واكتشاف أخطائنا ضدان لا يجتمعان.
الولاء الضيق وتقييم تجاربنا كل تجاربنا ضدان لا يجتمعان.
الولاء الضيق والشخصيات السوية ضدان لا يجتمعان.
للأسف الشديد من إفرازات ثورة ديسمبر هي أنها عززت هذا الولاء الضيق، فهي حينما جاءت جعلت من كان يحلق فوق السماء جعلته تحت الأرض، ومن كان لا صوت له جعلته يفتي في مصير البلد، فأعمى هذا الأثر الذي خلفته الثورة أعمى أصحاب الولاءات الضيقة، فصاروا يكتبون ويحللون ويقيمون بلا أدنى ضابط وبلا أدنى حياء. فقد نزع الولاء الضيق عنهم كل قيمة إنسانية وهم لا يشعرون تحول الولاء عندهم إلى حالة سكر بحيث إذا أمطرت السماء قالوا سرابا ما دام قول السراب في صالح ولائهم، وإذا أمطرت السماء في اليوم التالي قالوا أمطار خير وبركة ما دام المطر في صالح ولائهم.
وبالتالي لم يعد مهما أن ينظر للحدث المهم فقط النظر لمن يحلل ويقيم الحدث ودون أن تقرأ ستصل للنتيحة مباشرة إن كان هذا الحدث حسنا أم قبيحا.
منجدا ومنقذا أم كارثيا.
مفرحا أم محزنا.
نافع للوطن أم ضار به.
كل ذلك يتضح من خلال من يقيم الحدث أما الحدث فلا علاقة له بكل ذلك، فهو صار لينا طيعا يتشكل ويتكون حسب ما يريد صاحب الولاء الضيق.
فيا من تعددون الآثار التي ترتبت على الثورة لا تنسوا أن تضعوا أثر الثورة على الولاءات الضيقة، فهي قد وقعت مدوية عليهم لدرجة أنها أعمت عيونهم وأصمت أذانهم وأخرست ألسنتهم.

صحيفة البيان