محجوب مدني محجوب يكتب: لا بديل للسياسة إلا السياسة
محجوب مدني محجوب
حالة السأم والملل وحالة الإصابة باليأس من كل ما هو موجود بالساحة السياسية بحيث صار مخزيا وخاليا من كل قيمة ليس على مدى عقد أو عقدين من الزمان، وإنما على مدى عقود طويلة.
فالناظر إلى الإنجاز في المجال السياسي عندنا، فسوف يجده بمثابة النقطة في البحر لا يكاد يرى.
وليس هذا الإفلاس في العمل السياسي في جهة دون جهة بل في كل الجهات:
حكومة أو معارضة.
حزبي أو حزبك.
عملي أو عملك.
فالناظر والفاحص جيدا لممارسة العمل السياسي، فلن يجد سوى الإحباط وخيبة الأمل.
حالة لا يختلف حولها اثنان ساسة أو إعلاميون.
مهتمون أو مواطنون.
نتجت هذه الحالة إلى انقسامات ومواقف عدة لدى الناس منها:
* آثر البعض الابتعاد ويئس من خير في السياسة، وفي ممارسة العمل السياسي فلزم الصمت.
* انشغل البعض بأمور أخرى غير السياسة، ليساهم في تقديم أمر آخر مفيد من ناحية، ومن ناحية أخرى يشيح بوجهه عنها.
* استسلم البعض فسبح مع التيار، فحيث ما اتجه العمل السياسي سبح في اتجاهه، وذلك باعتبار هذا ما هو موجود ولا يمكن تغييره.
كل هذه الأعمال التي جاءت كردة فعل لتردي العمل السياسي لا تمثل خلاصا وحلا وذلك من وجهين:
الأول: هذا السوء السياسي لن نستطيع التخلص منه بمجرد تركه والابتعاد عنه بالعكس الابتعاد عنه يزيده سوءا وفسادا.
الوجه الثاني: أنه لا حل مع هذا التردي سوى التخلص منه، ولن يأتي ذلك إلا بالتصويب.
إلا بإبعاد الباطل وإحلاله بالحق.
لا يوجد أخطر من أثر الممارسة السياسية، وذلك على جميع الأصعدة التي يحتاج إليها الإنسان بدءا بتمسكه بدينه ومرورا بصحته وتعليمه وأكله وشرابه وملبسه ومسكنه وانتهاء بحماية ثقافته من الضياع وبحماية أجياله من التشريد والتفريق بين بقاع العالم.
حتى بعد موته يحتاج لقبر يضمه ويحفظه.
إن أهمية العمل السياسي يدركها أعداؤنا، ولا تمثل بالنسبة لهم أدنى خلاف، فهم حيال سياستهم نحونا يركزون فقط على رأس الدولة، فإن كان صالحا ومخلصا لوطنه وبالتالي بعيدا عن تحقيق أهدافهم قاموا بتصفيته والتخلص منه، وإن وافق غاياتهم المدمرة لوطننا من جميع نواحيه، فهم في ذلك لا يحتاجون سوى أن يتحكموا في رأس الدولة؛ ليحققوا كل رغباتهم.
بل هم من شدة اقتناعهم بسحر العمل السياسي يذهبون إلى أبعد من ذلك.
يذهبون لصناعة رؤسائنا منذ صغرهم، فهم يعرفون حسب تخلفنا السياسي من سيحكمنا بعد ثلاثين سنة، فيقومون بتربيته وبتعليمه وبغسل مخه سواء برغبته أو بعدم رغبته من أجل أن يكون جاهزا للحكم، ومن أجل أن يكون جاهزا لتنفيذ خططهم التي يحققون بها كل غاياتهم الدينية والثقافية والاقتصادية.
فمن يظن أن هناك بديلا للعمل السياسي لنهضة البلد، فهو إما أن يكون مغيبا.
أو أنه يقصد التهميش للعمل السياسي من أجل إفساح المجال لأسياده من أجل أن يطبقوا مشاريعهم وبرامجهم في كل أنحاء الوطن.
فليعلم كل من له مشروعا وطنيا أنه لا يستطيع تحقيقه إلا من خلال الاستقرار السياسي.
فكل عمل شريف وتنموي في بلد لا يجتمع إطلاقا مع الفساد السياسي، وسوف يصبح سرابا وسوف ينظر إليه على أنه نوع من أنواع الأعمال البهلوانية، ومن يظن أنه يمكن أن يحقق مشروعا وطنيا بمعزل عن العمل السياسي فهو واهم.
فالكل ينبغي أن يسعى لتحقيق هذه الغاية إما بالمساهمة في تحقيقها أو بمساعدة من يحققها أو بالدعاء له، أو بالاعتراف بأن كل أمور الحياة تتوقف عليه بعد توفيق الله عز وجل له.
وكذلك ينبغي أن يحذر الجميع من أن يشغل هذه المهمة مهمة العمل السياسي من هو بعيد عنها أو من هو غير مؤهل لها أو من يسعى لتحقيق مآربه عبرها.
إن العمل السياسي هو المسؤول سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن كل تطور المجتمعات كما هو نفسه المسؤول عن تخلفها.
هو من بيده إصلاح الدين أو إفساده إذ أن العلماء الربانيين بالإمكان أن يهمشوا ويبعدوا إن كان الساسة خونة وفسدة، لأنهم بذلك سيقربون لديهم الخونة والفسدة، وبالتالي يبعدون المؤهلين والمصلحين.
وينطبق ذات الأمر على الجوانب الأخرى، فليس من مفسد يسعى لتسهيل علاج المواطنين أو يسعى لتمكينهم من العلم وبالتالي يستطيع من خلال سيطرته على مفاصل الدولة على تدمير هذه المؤسسات جميعها.
لا تسألوا عن حال بلد اسألوا فقط عن نظامها السياسي، فهو وحده كفيل بأن يخبركم عن حالها وبصلاحها أو فسادها.
فإن صلح النظام السياسي للبلد فقد صلحت وإلا فلا.
صحيفة الانتباهة