مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: الترس ما له وما عليه


محجوب مدني محجوب

كلمة الترس كلمة أخذت رواجا وشهرة مع ثورة ديسمبر ٢٠١٨م والتي كانت نتيجتها سقوط حكم الإنقاذ.
وظلت الكلمة رنانة حتى صارت رمزا من رموز الثورة.
وهي من حيث الفعل لم تكن جديدة، فاستخدام الطرق واستغلالها من أجل الاحتجاج لم يكن أمرا جديدا، فهو أسلوب قديم مرتبط بالثورات الشعبية إلا أنه مع ثورة ديسمبر أخذ رواجا أكثر وذلك لعدة أسباب منها:
* نجاح هذا الأسلوب في إسقاط نظام الإنقاذ فقد كان الترس أو إقفال الطرق الرئيسية وتعطيلها عن السير كان يقف جنبا إلى جنب مع الثورة السلمية ومع المسيرات الجماهيرية ومع الهتافات السلمية ومع قطار عطبرة، ومع بصات الولايات أي أنه كان من الأدوات الرئيسية للثورة.
* ارتباط الطريق بحياة الناس اليومية، فتتريس الطرق أكبر إعلان بأن الثورة ما زالت مستمرة.
* الترس إشارة سريعة وقوية لكل من يخالف شعارات الثورة بأن الثورة ها هي موجودة ولم تغب.
* تفاعل المواطنين مع الثوار حينما يجدون هؤلاء الثوار يعبرون عن موقفهم، فالترس كذلك كان يخاطب المواطنين بأن ثورتنا مستمرة.
* كذلك مثل الترس وكأنه يحتفي بالشهداء الذين ما سقطوا إلا بجواره.
كل هذه العوامل وغيرها جعلت من كلمة الترس ذات مغزى ومعنى.
لكن يبدو أن الترس الآن لا يعدو أن يكون إعاقة لحركة الناس لا أكثر بل قد يشير التتريس الآن إلى أبعد من ذلك، فلربما يشير إلى العجز والضعف وقلة الحيلة.
فإن كان يمثل التتريس إبان اندلاع الثورة على الصمود وعلى الشجاعة وعلى الرفض للنظام القائم، فلم يعد هذا النظام قائما الآن.
وإن كان الترس احتجاجا ورفضا للسياسات القائمة الآن، فهذه السياسات لم تفرض نفسها بسبب نظام خلفها حتى يوصل له الترس رسالة، وإنما هذه السياسات القائمة الآن بسبب الفراغ السياسي الذي خلفه غياب الإنقاذ وفي ذات الوقت عدم إيجاد بديل لها، ونتيجة لهذه الحالة ليست ثمة جهة يوصل إليها رسالة.
توصل رسالة لمن؟
للفراغ السياسي؟
الفراغ السياسي لا ينبه وبالتالي لا يحتاج إلى تتريس بقدر ما يحتاج إلى ملء سياسي.
هل سمعتم أحدا احتج على فقر بيته؟
إن كنت رافضا لفقر بيتك، فلن تحتج عليه وإنما تبحث عن عمل لإزالته.
تحتج وترفع صوتك بالهتافات إن كان شخص يحتل بيتك.
أما أن تحتج على تغيير وضع بيتك فلا أحد يقول بذلك.
التتريس الآن بالإضافة إلى كونه لا يخدم غرضا، ولا يخاطب أحدا، فكأنه يعلن عجز الثورة عن إيجاد بديل لما نجحت في إسقاطه.
كأنه يعلن التتريس اليوم عن خيبة الأمل التي أصابت الثوار في كون الثورة لم تجد شيئا تتكئ عليه.
التتريس اليوم وكأنه يعلن عن عجزه في الثأر لهؤلاء الثوار الذين سقطوا عليه.
التتريس اليوم وكأنه يعلن الإفلاس في كونه ليس له غير وظيفة واحدة هو إسقاط الأنظمة، فإن لم يجد أنظمة يسقطها فهو يترس من أجل لا شيء فليس له عمل غير التتريس.
التتريس اليوم كأنه يوصل رسالة للمواطنين الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الطرق بأنه لا يهمه حاجاتهم ولا تهمه تسهيل أعمالهم وخدماتهم.
فهو يترس والسلام.
يترس لو كان التتريس مهما وضرورة، ويترس لو كان التتريس أذى ومضرة، ويترس لو كان التتريس مصدر إزعاج وتعطيل لحركة الناس لا أكثر.
الثورة الحقيقية هي التي تنفذ برنامجها على مراحل، فإن كانت هناك ثمة مرحلة يعبر عنها الترس، فثمة مرحلة للثورة بعد الترس تعبر عنها ليس فتح الطرق فقط بل تنظيفها وترميمها وسفلتتها.
فالوسائل ليست واحدة وليست هي نفسها إبان الثورة وبعد الثورة وليست هي نفسها والجيش على السلطة، وليست هي نفسها والجيش تخلى عن السلطة.
فقد تكون وسيلة واحدة في فترة من فترات الثورة تعبر عن انتصارها.
وفي فترة أخرى من فترات الثورة قد تعبر ذات الوسيلة عن انهزامها.
فالعبرة ليست بالوسائل وتكرارها، وإنما العبرة بالتقدم وبالانتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر إنجازا وأكثر تحقيقا من ذي قبل.
فالمزارع يحمل البذرة فرحا في بداية زراعته ليغرسها.
أما إذا حمل ذات البذرة يوم حصاده، فهذا دليل على فشله او زراعته، فيوم الحصاد ليس هو يوم حمل البذور، وإنما هو يوم حمل الإنتاج والإنتاج الوفير.

صحيفة الانتباهة