المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في السودان: قبوله مصيبة ورفضه مصيبتان
محجوب مدني محجوب
هكذا تعامل أهل السودان هذه الأيام مع زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، فهم لا يريدون أن يتعاونوا معه كما لا يريدون أن يطردوه من السودان أو يمنعوا زيارته.
وهكذا كان حال أهل السودان معه، فإن أراد زيارة قالوا له مرحبا، وإن أراد مقابلة مسؤولين يتناقش معهم حول مصير المطلوبين لديه في لاهاي قالوا له مرحبا.
وإن أراد زيارة المطلوبين منعوه من ذلك، وإن أراد رأيا واضحا وموقفا محددا من حكومة السودان تهربوا منه، وردوا عليه بسؤالهم عن أخباره وصحته وأحواله.
تحير مسؤولو السودان مع هذه المصيبة التي تدعى الجنائية الدولية، فنصفهم ما زال مع النظام البائد، والآخر مع مطلوبات ثورة ديسمبر، فإن هم وقفوا مع الجنائية، فسوف يقف لهم سدنة النظام البائد بالمرصاد، وإن هم رفضوا مطالبه تورطوا مع الشارع وأثبتوا له بأنهم تبع النظام البائد، وهم لا يريدون أن يصرحوا بذلك.
لذلك أصبح موقف المسؤولين مع المدعي العام بين بين.
ود وإعراض.
وعد ومخالفة.
ممانعة ومسامحة.
صار موقفهم معه محرجا للغاية أكثر إحراجا من موقف التطبيع مع إسرائيل أو التعاون مع روسيا، فهؤلاء لا يرتبطون بصورة مباشرة مع النظام البائد كما لا يطالبون بمطالب ظاهرة تتعارض مع قيم ومبادئ ثورة ديسمبر.
يجلسون معهم بكل اطمئنان وراحة بال سواء مع إسرائيل أو روسيا أو غيرهما دون حرج أو خوف وبإمكانهم أن يبرموا معهم أي معاهدات وبسهولة جدا يمكن أن تخفى أو تغلف تحت أي بند من بنود الدبلوماسية الخارجية.
كل الإشكال وجدوه مع هذه المصيبة التي تدعى الجنائية الدولية، فما أن يقرر مدعيها العام موعد زيارته للسودان إلا ويطير النوم من عين هؤلاء المسؤولين في السودان، ويجلسون الليالي والأيام قبل عودته يتفاكرون في الطريقة التي يتعاملون بها معه، فكلهم يدرك أن التعاون معه مصيبة وطرده مصيبتان.
فإن جاء يوم وسمعتم أن حكومة السودان طردت هذا المدعي العام فتأكدوا أن الإنقاذ استولت على عرش السودان.
وإن سمعتم أنه استقبل بكل رحابة صدر وسمح له أن يزور المطلوبين وضرب معه موعد بنقلهم إلى لاهاي فتأكدوا أن الإنقاذ ذهبت إلى غير رجعة، وأن الأمور كل الأمور آلت للثوار ولمسؤولي حكومة الثورة.
أما الآن فلم تحسم المعركة بعد بين فلول الإنقاذ وثوار ثورة ديسمبر.
لذلك سوف تجد أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يرجع إلى لاهاي، ولم يفهم شيئا من زيارته، فهو في مكان يستقبل، وفي مكان آخر يطرد ويستبعد، وهكذا يتفق مسؤولو الدولة عليه إلى أن يرجع.
فهو لم يستطع أن يقابل البشير والمطلوبين معه كما لم يجد أحدا يقول له أننا لن نسلمكم البشير والمطلوبين.
يتركونه هكذا معلقا لا يرفضون له طلبا، ولا يحققون له شيئا على أرض الواقع، وذلك بسبب أن الأمر في السودان مازال هو كذلك معلقا ولم يحسم بعد.
ولم توجد إجابة إلى الآن على السؤال:
هل تخلصت الثورة من الإنقاذ أم أنها ما زالت موجودة بلحمها وعظمها؟
مهما يكن من أمر فإن هذه الإجابة سوف تضح في مقبل الأيام، اما الآن ومع زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فواضح وواضح جدا أنها لم تحسم بعد.
فالرجل مسكين يحوم حول المسؤولين لا يعرف نفسه أهو مرفوض أم مقبول؟؟؟!!!.
سودانيون والأجر على الله.
صحيفة اللنتباهة