بخاري بشير يكتب: الوقود .. تخفيض ملزم!
لم يكن (مستغرباً) القرار الأخير الخاص بتخفيض أسعار المحروقات؛ لسبب بسيط هو انخفاض السعر العالمي من 120 دولاراً للبرميل الى 80 دولاراً.. لذلك كان القرار متوقعاً خاصة بعد (الجدل) الذي جرى-قبل أيام- حول التسعيرة المعمول بها؛ والمخاطبات التي جرت بين وزارة النفط وبعض الشركات العاملة في مجال استيراده.
التخفيض جاء كحدث نوعي قابلته الأوساط الشعبية بارتياح؛ لأنه ينفي (السمعة السيئة) عن المالية ويدها الباطشة في الجباية؛ والخطوة اشارة أن اي تخفيض في السعر العالمي سيتبعه تخفيض في السعر المحلي.. وقد أصبحت الدولة منظمة فقط للعلاقات بين الشركات ويجب ان لا تتدخل في تحديد السعر.
سمعنا ان القرار جاء بتوجيه مباشر من رئيس مجلس السيادة الذي وجه بتعديل الأسعار تمشياً مع الانخفاض في السعر العالمي.. وهي المرة الأولى في السودان أن (ينخفض) سعر سلعة ما؛ وكانت المقولة الرائجة: (هو في حاجة زادت نزلت تاني).. خبر تخفيض اسعار الوقود يكذب هذه المقولة؛ ويجعلها ممكنة.
زيادات كبيرة تحملها المواطن طيلة الفترة الماضية؛ بسبب التضخم غير المسبوق الذي جرى بين الاعوام 2019-2022.. وهو تضخم جعل الحصول على المستلزمات الضرورية ضرباً من المستحيل؛ صبر المواطن طيلة هذه الفترة أملاً في الاصلاح؛ متى ما اقتنعت الدولة أن الأولوية هي لـ(معاشه).. وأن لا يصبح (المعاش) مجرد كلمة للاستهلاك.
تعاملت شركات استيراد الوقود بشفافية مع الأسعار العالمية؛ وطالبت بتخفيض الاسعار؛ مما جعل هذه الخطوة (ممكنة)؛ فقد تعاملت هذه الشركات بوطنية ووضعت في اعتبارها معاناة المواطن؛ واستغلت أول فرصة اتيحت عقب توجيهات رئيس مجلس السيادة لتحقيق هدف تخفيض أسعار الوقود.
ليت كل شركات القطاع العام تمثلت بهذه المبادئ التي افلحت فيها شركات استيراد النفط؛ لكان وقتها المواطن السوداني في أمان من سيوف (الجشع) التي تملأ الاسواق هذه الأيام.. المشكلة في الاقتصاد السوداني أنه يقوم على اجتهادات فردية واستغلال سيئ لمبدأ تحرير الأسعار.. كثير من التجار نفذوا للثراء الفاحش والحرام وأكل أموال الناس؛ عبر هذه الثغرة.. ثغرة (تحرير الأسواق).
صحيح أن الاقتصاد السوداني ظل منذ العام 2011 في خطوات تراجع؛ وهو العام الذي انفصلت فيه دولة جنوب السودان بعد (6) سنوات من اتفاق نيفاشا؛ تلك المدة المحددة للاستفتاء الجنوبي وقتها حول الوحدة أو الانفصال.. وفقد السودان حينئذ عائدات النفط بنسب كبيرة.. وهي العوائد التي كان يعتمد عليها نظام البشير.
صحيح أن وتيرة التدهور نحو الأزمات؛ أصبحت (أسرع) في السنوات الأخيرة.. حتى فقد الجنيه السوداني ما يوازي 85% من قيمته.. ولم ترتفع الأجور بذات مستوى التدهور.. فدخل بذلك المواطن في دوامة (الضغط اليومي).. وأثقلت الحكومة كاهله بالضرائب والرسوم والمكوس المتعددة؛ باعتبار أنه الرافد الوحيد للخزانة العامة.
خروج السودان من وحل (الأزمات الاقتصادية) الى رحابة الانتعاش والرفاه؛ لن يتم بالأماني.. نحتاج لحكومة مؤهلة تستطيع ان تفجر طاقات الانتاج وزيادة الدخل القومي والفردي.. ونحتاج لمواطن مهموماً بوطنه؛ لا يسعى نحو مصالحه الخاصة؛ فليت كل السودانيين يقدمون مصلحة الوطن على مصلحتهم الشخصية.
صحيفة الانتباهة